< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

43/07/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الأطعمة والاشربة.

القول: في غير الحيوان.

مسألة (11): القدر المتيقّن من محلّ أخذ التربة هو القبر الشريف وما يلحق به عرفاً، والأحوط الاقتصار عليه، وأحوط منه استعمال الترب التي في هذه الأعصار ممزوجاً بالماء أو غيره على نحو الاستهلاك، بل لا يترك هذا الاحتياط إذا كان المأخوذ طيناً أو مدراً. نعم، بناءً على ما قدّمناه من عدم حرمة التراب‌ مطلقاً لا بأس بأخذه للاستشفاء من الحائر وغيره إلى رأس ميل، بل أزيد ممّا اشتملت عليه الأخبار بقصد الرجاء، ولا يحرم تناوله، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط[1] .

 

لا إشكال كما تقدم من تناول التراب بنفسه لعدم الدليل على حرمة تناوله إلا مع الضرر المعتد به عقلائيًا مما يفضي إلى الهلاك أما ما قاربه.

كما لا إشكال في التراب الممزوج بالماء على نحو الاستهلاك وإنما الكلام في حرمة الطين واُستثني منه التربة المقدسة ولو صارت طينًا.

وأما الكلام في تحديد المكان لأخذ التربة المقدسة فقد تعددت الآراء والاقوال فيها.

والقدر المتيقن منه هو القبر الشريف وما يلحق به عرفًا وهذا لا خلاف فيه ومنهم من قال بأن حدوده سبعون ذراعًا.

-(عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن رزق الله بن العلاء عن سليمان بن عمر السراج، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: يؤخذ طين قبر الحسين (عليه‌ السلام) من عند القبر على سبعين ذراعا)[2] .

وفي رواية سبعين باعًا.

-(حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن؛ وعليُّ بن الحسين؛ عن سعد، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن رِزق الله بن العَلاء، عن سليمان بن عَمْرو والسَّرَّاج ـ عن بعض أصحابنا ـ عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) « قال: يؤخذ طين قبر الحسين (عليه‌ السلام) من عند القبر على قدر سَبعين باعاً)[3] .

الباع والبوع: (مد اليدين وما بينهما من البدن) .

وفي رواية أخرى خمسة وعشرين ذراعًا:

-(عن محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين ابن أبى الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه‌ السلام) يقول: إن لموضع قبر الحسين (عليه‌ السلام) حرمة معروفة من عرفها واستجار بها أجير قلت: فصف لي موضعها، قال: امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعا من ناحية رجليه وخمسة وعشرين ذراعا من ناحية رأسه، وموضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنة، ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زواره إلى السماء وما من ملك في السماء ولا في الارض إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين (عليه‌ السلام) ففوج ينزل وفوج يعرج)[4] .

ومنهم من قال حدوده إلى ميل ودليله.

-(حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيلَ، عن الخَيبريِّ، عن أبي وَلاّد، عن أبي بكر الحَضرَميِّ، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) « قال: لو أنَّ مريضاً مِن المؤمنين يَعرِف حَقَّ أبي عبدالله (عليه‌ السلام) وحُرْمته وولايته اُخذ له من طِين قَبره على رأس ميل كان له داوءً وشفاءً)[5] .

ومنهم من قال حدوده أربعة اميال.

-(حدَّثني محمّد بن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه، عن جدِّه عليِّ بن مَهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ قال: حدّثنا أبو عمرو شيخ من أهل الكوفة، عن أبي حمزة الثُّماليِّ، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال: كنت بمكّة ـ وذكر في حديثه ـ قلت: جُعِلتُ فِداك إنّي رأيت أصحابنا يأخذون من طين الحائر ليستشفون به؛ هل في ذلك شَيءٌ ممّا يقولون من الشِّفاء؟ قال: قال: يُستَشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال، وكذلك قبر جَدِّي رَسول الله (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم)، وكذلك طِين قبر الحسن وعليٍّ ومحمّد، فَخُذْ منها فإنّها شِفاءٌ مِن كلِّ سُقْم، وجُنّةٌ ممّا يُخاف ولا يَعدِلُها شيءٌ من الأشياء الّتي يستشفى بها إلاّ الدُّعاء، وإنّما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلّة اليقين لِمَن يُعالِج بها، فأمّا مَن أيقنَ أنّها له شِفاء إذا يعالِج بها كَفَتْه بإذن اللهِ من غَيرها ممّا يتعالِج به، ويفسدها الشّياطين والجنُّ من أهل الكفر مَن هم يتمسّحون بها، وما تمرُّ بشيء إلاّ شمّها، وأمّا الشّياطين وكفّار الجنِّ فإنّهم يَحسدون بني آدم عليها فيتمسّحون بها فيذهب عامّة طِيبها، ولا يُخرَجُ الطّين مِنَ الحائر إلاّ وقد استعدّ له ما لا يحصى منهم وأنّه لفي يد صاحبها، وهم يتمسّحون بها، ولا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحائِر ولو كان مِنَ التُّربة شيءٌ يَسلمُ ما عولِج به أحدٌ إلاّ بَرِئ مِن ساعته، فإذا أخذتَها فَاكتُمْها، وأكثِرْ عليها من ذكر الله تعالى، وقد بلغني أنَّ بعضَ مَن يأخذ مِن التُّربة شيئاً يستخفُّ به حتّى أنَّ بعضهم ليطرحها في مِخْلاة الإبل والبَغل والحِمار أو في وِعاءِ الطّعام وما يمسح به الأيدي من الطّعام، والخُرَج والجَوالق! فكيف يستشفي به مَن هذا حاله عنده؟! ولكنَّ القلب الّذي ليس فيه [الـ]ـيقينُ من المُستَخفِّ بما فيه صلاحه يفسد عليه عَمله)[6]

-(جعفر بن محمد بن قولويه في (المزار) عن محمد بن الحسن بن عليّ بن مهزيار، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله الأصمّ، عن ابن أبي عمير، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) في حديث، أنّه سئل عن طين الحائر، هل فيه شيء من الشفاء؟ فقال يستشفى ما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال، وكذلك قبر جدِّي رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله)، وكذا طين قبر الحسن، وعليّ، ومحمد، فخذ منها، فإنّها شفاء من كل داء وسقم، وجنّة مما تخاف، ولا يعدلها شيء من الأشياء للذي يستشفى بها إلاّ الدعاء، وإنّما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها، وقلّة اليقين لمن يعالج بها، وذكر الحديث ـ إلى أن قال: ـ ولقد بلغني أنَّ بعض من يأخذ من التربة شيئاً يستخفّ به، حتّى أنَّ بعضهم يضعها في مخلاة البغل والحمار، وفي وعاء الطعام والخرج، فكيف يستشفى به من هذا حاله عنده؟!.)[7] .

ومنهم من قال حدوده عشرة اميال.

-(بإسناده عن محمد بن أحمد بن داود، عن الحسن بن محمد، عن حميد بن زياد، عن بنان بن محمد، عن أبي الطاهر يعني الوراق، عن الحجال، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: التربة من قبر الحسين بن علي (عليه‌ السلام) على عشرة أميال)[8] .

ومنهم من قال حدوده فرسخ من اربع جوانب:

-(عن سعد، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن إسماعيل البصري، عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: حرم الحسين (عليه‌ السلام) فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر.)[9]

وقد ورد أن حدوده خمس فراسخ من اربع جوانبه.

-(محمد بن الحسن بإسناده عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن حكيم بن داود، عن سلمة بن الخطاب، عن منصور بن العباس رفعه إلى أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: حرم الحسين (عليه‌ السلام) خمس فراسخ من أربع جوانبه)[10] .

-(محمد بن علي بن الحسين قال: قال: حريم الحسين (عليه‌ السلام) خمسة فراسخ من أربع جوانب القبر)[11] .

ولعل الاختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل أولًا وللتسهيل على المؤمنين من جهة ثانية، ومن الواضح أنه كلما اقترب إلى القبر الشريف كان أفضل وأفضله السبعون ذراعًا بل من القبر الشريف وما حوله عرفًا كما تقدم. والله العالم.

 

مسألة (12): تناول التربة المقدّسة للاستشفاء: إمّا بازدرادها وابتلاعها، و إمّا بحلّها في الماء وشربه، أو بأن يمزجها بشربة ويشربها بقصد الشفاء[12] .

 

لم ترد في الأدلة الشرعية كيفيّةً خاصة لتناول التربة المقدسة، بل هو متروكٌ للمكلف بتناولها بالكيفية التي تناسبه طالما أنه يأخذها بنية الشفاء والتبرك بها سواءٌ أكان ذلك بما ذكره السيد الماتن (قده) أم بغيرها كما في مزجها بالطعام مثلًا.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo