< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

43/08/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:كتاب الأطعمة والاشربة.

القول: في غير الحيوان.

مسألة (27): يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغليّ بالعلم وبالبيّنة وبإخبار ذي اليد المسلم، بل وبالأخذ منه إذا كان ممّن يعتقد حرمة ما لم يذهب ثلثاه، بل وإذا لم يعلم اعتقاده أيضاً. نعم، إذا علم أنّه ممّن يستحلّ العصير المغليّ قبل أن يذهب ثلثاه، مثل أن يعتقد أنّه يكفي في حلّيته صيرورته دبساً، أو اعتقد أنّ ذهاب الثلثين لا يلزم أن يكون بالنار، بل يكفي بالهواء وطول المكث أيضاً، ففي‌ جواز الاستئمان بقوله إذا أخبر عن حصول التثليث خلاف وإشكال. وأولى بالإشكال جواز الأخذ منه والبناء على أنّه طبخ على الثلث إذا احتمل ذلك من دون تفحّص عن حاله، فالأحوط الاجتناب عنه وعدم الاعتماد بقوله، وعدم البناء على تثليث ما اخذ منه، بل لا يخلو من قوّة[1] .

أما إثبات ذهاب الثلثين من العصير المغلي بالعلم فذلك لحجية العلم ذاتًا، بل هو من أقوى الحجج ولولاه لما بقي حجة لإثبات أي شيء، بل هو من الضروريات.

وأما إثباته بالبينة فذلك لحجية البينة الشرعية كما دلت عليه عموم اطلاقات الأدلة المعتبرة.

وأما إثباته بإخبار ذي اليد المسلم فلما دلّ على اعتبار يد المسلم في الطهارة والنجاسة، بل يثبت بإخبار مطلق ذي اليد إذا كان مؤمونًا غير متهم وذلك لعموم قاعدة: (كل من استولى على شيء فقوله معتبرٌ فيه).

وعليه يجوز البناء على افادة من كان يعتقد بحرمة ما لم يذهب ثلثاه ومن لم يعلم اعتقاده أيضًا للقاعدة المذكورة أعلاه.

نعم إذا عُلم أنه ممّن يستحل العصير المغلي قبل أن يذهب ثلثاه كما لو اعتقد أنه يكفي في حليته صيرورته دبسًا أو اعتقد أن ذهاب الثلثين لا يلزم أن يكون بالنار بل يكفي بالهواء وطول المكث أيضًا فقد استشكل سيد الماتن (قده) بجواز الاستئمان بقوله إذا أخبر عن حصول التثليث وذهب إلى أولوية الاستشكال بجواز الأخذ منه والبناء على أنه طُبخ على الثلث إذا احتمل ذلك من دون فحص عن حاله ولذلك ذهب إلى الاحتياط بالاجتناب عنه وعدم الاعتماد على قوله وعدم البناء على تثليث ما اُخذ منه، ثم ترقى سيدنا (قده) من الاحتياط إلى الفتوى بقوله بل لا يخلو من قوة.

وربما منشأ الاستشكال عنده (قده) احتمال عدم شمول ما تقدم من القاعدة لمثل هذه الصورة فيصار إلى البقاء على الأصل ولكن يمكن القول بأن في استشكاله بذلك اشكال وذلك لأن الاحتمال المذكور بدوي محض ساقط عن الاعتبار وتعمه القاعدة المذكورة. وهذا ما يناسب سهولة الشريعة الغراء مهما أمكن.

اللهم إلا أن يُقال بحصول الاطمئنان بعدم ذهاب الثلثين من خلال قيام بعض القرائن الموجبة له. وعليه فيُعمل بالاطمئنان لحجيته الشرعية وليس لاحتمال خروج هذا المورد عن القاعدة أعلاه.

والكلام هو الكلام في الأولوية المدّعاة إذ لا وجه للأولوية في المقام بل هو ما ذكرناه حذو القذة بالقذة.

بقي أن عدول سيدنا الماتن (قده) من الاحتياط بالاجتناب في هذه الصورة إلى الفتوى بقوله: (بل لا يخلو من قوة).

قد يُقال بعدم الوجه له بل بحسب ما تقدم قبل قليل فإن الأقوى جواز الاعتماد على قوله وجواز الأخذ منه والبناء على التثليث ولكن على كراهة وذلك جمعًا بين الروايات من ظاهر الاطلاقات في الجواز وبعض الاخبار الناهية.

-(عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن يونس بن يعقوب، عن معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحقِّ يأتيني بالبختج ويقول: قد طبخ على الثلث، وأنا أعرف أنّه يشربه على النصف، أفأشربه بقوله، وهو يشربه على النصف؟ فقال: لا تشربه، قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث، ولا يستحلّه على النصف، يخبرنا أنَّ عنده بختجاً على الثلث، قد ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه، يشرب منه؟ قال: نعم)[2] . ظاهر اطلاقها ما قلناه.

والطائفة الثانية من الروايات التي تحصر الحلية بالمسلم:

-(عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدِّق، عن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ أنّه سئل عن الرجل يأتي بالشراب، فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، قال: إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب)[3] .

-(عن عليِّ بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن الرجل يصلّي الى القبلة لا يوثق به، أتى بشراب يزعم أنّه على الثلث، فيحلّ شربه؟ قال: لا يصدّق إلاّ أن يكون مسلماً عارفاً)[4] .

وهذا الحديث يمكن حمله على ما إذا كان ذو اليد مستخف بالدين غير مبال بالشريعة، أو حمله على الاستحباب. وهذا ما يناسب الأخذ بعموم القاعدة وسهولة الشريعة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo