< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

43/08/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الأطعمة والاشربة.

القول: في غير الحيوان.

مسألة (28): يحرم تناول مال الغير وإن كان كافراً محترم المال بدون إذنه ورضاه، ولا بدّ من إحراز ذلك بعلم ونحوه، وقد ورد: من أكل من طعام لم يدع إليه فكأنّما أكل قطعة من النار[1] .

 

ويمكن الاستدلال عليه بالأدلة الأربعة:

أما الكتاب العزيز:

-(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[2] .

وأما السنة الشريفة:

-(عن ابن أبي عمير، عن أبي اسامة زيد الشحام، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) أن رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع ـ إلى أن قال: ـ فقال: أي يوم أعظم حرمة؟ فقالوا: هذا اليوم، فقال: فأي شهر أعظم حرمة؟ فقالوا: هذا الشهر، قال: فأي بلد أعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد، قال: فان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا)[3] .

هذا مضافًا إلى إجماع المسلمين قاطبة بل العقلاء في العالم.

وكذلك فإن العقل يرى بقبح ظلم الآخرين والتعدي عليهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم بل الناس مسلطون على أموالهم ولا يحق لأحد بالتصرف في أموالهم من دون رضاهم وإجازتهم بذلك.

 

مسألة (29): يجوز أن يأكل الإنسان ولو مع عدم الضرورة من بيوت الآباء والامّهات والأولاد والإخوان والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات والأصدقاء، وكذا الزوجة من بيت زوجها، وكذا يجوز لمن كان وكيلًا على بيت أحد مفوّضاً إليه اموره وحفظه بما فيه أن يأكل من بيت موكّله. وإنّما يجوز الأكل من تلك البيوت إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت، فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقّف جواز الأكل منها على إحراز الرضا والإذن من صاحبها، فيجوز مع الشكّ بل مع الظنّ بالعدم أيضاً على الأقوى، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، خصوصاً مع غلبته. والأحوط اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز والتمر والإدام والفواكه ونحوها، دون نفائس الأطعمة التي تدّخر غالباً لمواقع الحاجة وللأضياف ذوي الشرف والعزّة. والظاهر التعدية إلى غير المأكول؛ من المشروبات العادية كاللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها، ولا يتعدّى إلى بيوت غيرهم، ولا إلى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم، كما أنّه يقتصر على ما في البيت من المأكول، فلا يتعدّى إلى ما يُشترى من الخارج بثمن يؤخذ من البيت[4] .

 

تشتمل المسألة على عدة مطالب:

1 – الأول: يجوز لمن ورد ذكرهم في الآية الكريمة أن يأكلوا ويشربوا من بيوت الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ومن كل بيت ملك مفتاحه كالوكيل عن الشخص في وكالته بماله فهو ممّن جاز له التصرف في أمواله بما فيها الطعام والشراب من بيته لكون مالكية المفتاح لازم عرفًا لمثل ذلك.

وهكذا يجوز للصديق الذي يدخل على صديقه ويخرج بالإذن العام من صاحب البيت.

-(محمد بن يعقوب، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه‌ السلام) عن هذه الاية: (مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ ... لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا) إلى آخر الآية؟ قلت: ما يعني بقوله: (أَوْ صَدِيقِكُمْ)؟ قال: هو والله الرجل يدخل بيت صديقه، فيأكل بغير إذنه)[5] .

-(عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن صفوان، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (أَوْ صَدِيقِكُمْ) فقال: هؤلاء الذين سمّى الله عزّ وجلّ في هذه الآية تأكل بغير إذنهم من التمر والمأدوم، وكذلك (تأكل المرأة بغير إذن زوجها)، وأمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا)[6] .

وهذا كله لصريح نص الآية المباركة:

-(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)[7] .

مضافًا إلى السُّنة الشريفة والاجما

وعن مولانا الصادق (عليه السلام):

-(عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ) قال: الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله، فيأكل بغير إذنه)[8] .

2 – الثاني: (إنما يجوز الأكل من تلك البيوت إذا لم يُعلم كراهة صاحب البيت).

وذلك لخروج حكم الجواز عند العلم بعدم الرضا بل بالكراهة الصريحة فعندئذ نرجع إلى إطلاق أدلة التحريم في التصرف بمال الغير إلا بإذنه ورضاه مضافًا إلى استقباح العرف للتصرف في مال الغير مع كراهة صاحب المال بذلك.

3 – الثالث: يجوز الأكل والشرب من تلك البيوت في حالة الشك والظن بعدم الرضا وذلك للإطلاقات الوارد في الآية الكريمة الذي يشمل موارد الشك والظن لكون الآية في مقام التسهيل والترغيب في الالفة والمودّة وحسن المعاشرة، وهذا ما عليه ديدن الناس قديمًا وحديثًا بل قد يستنكرون على من لا يأكل من بيوتهم ممّا هم مذكورون في الآية الكريمة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo