< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

43/09/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الأطعمة والاشربة.

القول: في غير الحيوان.

مسألة (30): تباح جميع المحرّمات المزبورة حال الضرورة؛ إمّا لتوقّف حفظ نفسه وسدّ رَمَقه على تناوله، أو لعروض المرض الشديد الذي لا يتحمّل عادة بتركه، أو لأداء تركه إلى لحوق الضعف المفرط المؤدّي إلى المرض الذي لا يتحمّل عادة، أو إلى التلف، أو المؤدّي إلى التخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب. ومنها ما إذا أدّى تركه إلى الجوع والعطش اللذين لا يُتحمّلان عادة.

ومنها ما إذا خيف بتركه على نفس اخرى محترمة، كالحامل تخاف على جنينها، والمرضعة على طفلها. بل ومنها خوف طول المرض الذي لا يتحمّل عادة أو عسر علاجه بترك التناول. والمدار في الكلّ هو الخوف الحاصل من العلم أو الظنّ بالترتّب، بل الاحتمال الذي يكون له منشأ عقلائي لا مجرّد الوهم والاحتمال[1] .

 

إن ما ذُكر من أمثلة لحالات إباحة المحرّمات هي حال الضرورة وقد دلت الأدلة من الكتاب والسُّنة الشريفة ومن الاجماع والعقل على أن الضرورات تبيح المحظورات منها قوله تعالى:

-(إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[2] .

-(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)[3] .

ومن السُّنة المتواترة كحديث الرفع:

-(محمّد بن علي بن الحسين في (التوحيد) و (الخصال) عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبدالله، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): رفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة)[4] .

والاجماع من كافة المسلمين بل جميع العقلاء على ذلك.

ومن العقل حكمه بتقديم الأهم على المهم، ومن الواضح أن حفظ النفس من الهلاك حاكم على أكل المحرّم.

بل يمكن القول بانتفاء المهم عند الأهم لانتفاء موضوع المهم عند الأهم فليس هو من باب التزاحم، بل من باب تقديم المخصِّص على حكم العام.

والمدار في كل الأمثلة المضروبة في المسألة إنما هو الخوف الحاصل من العلم أو الظن بالترتب، بل الاحتمال الذي يكون له منشأ عقلائي لا مجرد الوهم والاحتمال.

وهذا ظاهر الأدلة المتقدمة.

نعم قوله (قده): (لا مجرد الوهم والاحتمال). وذلك لجريان الأصل في التحريم واطلاق الأدلة حرمة أكل المحرّم.

 

مسألة (31): ومن الضرورات المبيحة للمحرّمات: الإكراه والتقيّة عمّن يخاف منه على نفسه، أو نفس محترمة، أو على عرضه، أو عرض محترم، أو مال محترم منه معتدّ به ممّا يكون تحمّله حرجياً، أو من غيره كذلك[5] .

 

إن قضية إباحة المحرّمات عند حالتي الإكراه والتقية ممّا تسالم عليه المسلمون جميعًا في الأولى بل تمام عقلاء العالم وتسالم الاماميون على الثانية بلا خلاف مضافًا لقاعدة نفي الحرج الجارية في المقام وقد استفاضت الروايات على كلّ من إباحة الإكراه والتقية للمحرمات وعُدتا من الضرورات المبيحة لهذه الموارد منها:

-(محمّد بن علي بن الحسين في (التوحيد) و (الخصال) عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبدالله، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): رفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة)[6] .

وأيضًا:

-(عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن إسماعيل الجعفي، ومعمر بن يحيى بن سالم ومحمد بن مسلم وزرارة قالوا: سمعنا أبا جعفر (عليه‌ السلام) يقول: التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له)[7] .

وتشمل حالة الخوف من العدو وغيره على نفسه وعلى غيره مما هو محترم النفس وكذا الحال عند الخوف على عرضه وعرض غيره وماله ومال غيره كل ذلك فيما لو كانوا من محترمي النفس والعرض والمال، دون أعداء الدين والإنسانية ممّن هم غير محترمي النفس والمال والعرض.

وإنما يكون الخوف ذلك على ما يجب حفظه على الانسان وإلا فهو خارج عن عنوان الضرورة كما هو واضح.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo