< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

43/09/31

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الأطعمة والاشربة.

القول: في غير الحيوان.

مسألة (34): يجوز التداوي لمعالجة الأمراض بكلّ محرّم إذا انحصر به العلاج؛ ولو بحكم الحذّاق من الأطبّاء الثقات. والمدار هو انحصاره بحسب تشخيصهم ممّا بين أيدي الناس ممّا يعالج به، لا الواقع الذي لا يحيط به إدراك البشر[1] .

 

تقدمت الأدلة على جواز تناول المحرّم بإطلاقه بما يشمل مورد المعالجة لحالات المرض من الأدلة الأربعة على الجواز بل الوجوب في المفروض. وإنما تشخيص ذلك يكون من اهل الخبرة والمعرفة في المقام كما في الأطباء الحاذقين الموثوقين من غير المتسامحين بأحكام الدين وهذا ما عليه سيرة العقلاء من الرجوع إليهم.

نعم فإن المدار في المقام انحصار العلاج به بين ما بأيدي الناس ممّا يعالج به هذا الداء وليس الانحصار الواقعي فإنه مما لا يحيط به إدراك البشر إذ أن ذلك يتلاءم مع ظاهر الشريعة السمحة السهلة والتكليف بالواقعيات غير متيسِّر لعدم امكان الإحاطة به ولا يعلمه إلا العليم الخبير.

 

مسألة (35): المشهور-على ما حكي- عدم جواز التداوي بالخمر بل بكلّ مُسكر حتّى مع الانحصار. لكن الجواز لا يخلو من قوّة بشرط العلم بكون المرض قابلًا للعلاج، والعلم بأنّ تركه يؤدّي إلى الهلاك أو إلى ما يُدانيه، والعلم بانحصار العلاج به بالمعنى الذي ذكرناه. ولا يخفى شدّة أمر الخمر، فلا يبادر إلى تناولها والمعالجة بها، إلّا إذا رأى من نفسه الهلاك أو نحوه لو ترك التداوي بها؛ ولو بسبب توافق جماعة من الحذّاق واولي الديانة والدراية من الأطبّاء، وإلّا فليصطبر على المشقّة، فلعلّ الباري -تعالى شأنه- يعافيه لمّا رأى منه التحفّظ على دينه، أو يعطيه الثواب الجزيل على صبره[2] .

 

لا يخفى على من تأمل في أحكام الشريعة الغراء التشديد على حرمة الخمر والنهي عنه ولزوم الاجتناب عن المكان الذي وضع فيه الخمر بل النهي عن حمله وزرعه وسقيه وبيعه وشرائه وغير ذلك مما يُعدُّ فيه إعانة الآخرين على تناوله.

بل ظاهر بعض الروايات النهي عن اتخاذه علاجًا من الامراض. منها صحيحة عمر بن أذينه:

-(محمد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أُذينة، قال: كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير، فيشربه بقدر اُسكرّجة من نبيذ، ليس يريد به اللذة، إنّما يريد به الدواء؟ فقال: لا، ولا جرعة، ثمَّ قال: إنَّ الله عزّ وجلّ لم يجعل في شيء ممّا حرّم دواء ولا شفاء)[3] .

وصحيحة الحلبي:

-(وعن أبي عليّ الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دواء عجن بالخمر، فقال: لا والله، ما اُحبّ أن أنظر إليه، فكيف أتداوى به؟! إنّه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير، (ترون اُناساً يتداوون به)[4]

-(عن أحمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن الحسين بن عبيد الله الارجاني، عن مالك المسمعي، عن قايد بن طلحة، أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ يجعل في الدّواء، قال: لا ينبغي لأحد أن يستشفي بالحرام)[5] .

-(وعن عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن الحلبي، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن دواء عجن بخمر، فقال: ما اُحبّ أن أنظر إليه، ولا أشمّه، فكيف أتداوى به ؟!.)[6]

-(الحسين بن بسطام، وأخوه عبد الله في كتاب (طبّ الأئمّة) عن محمد بن عبد الله بن مهران، عن إسماعيل بن يزيد، عن عمر بن يزيد قال: حضرت أبا عبد الله (عليه السلام)، وقد سأله رجل به البواسير الشديد، وقد وصف له دواء سكرّجة من نبيذ صلب، لا يريد به اللذّة، بل يريد به الدواء، فقال: لا، ولا جرعة، قلت: وَلِمَ؟ قال: لأنّه حرام، وإنَّ الله لم يجعل في شيء ممّا حرَّمه دواء ولا شفاء)[7] . وغيرها.

هذا ولكن يمكن حمل هذه الاخبار على الجعل الاوليّ لا الجعل الثانوي الاضطراري وقد تقدم منا في المسألة السابقة (34) جواز التداوي بالمحرّم ولو كان خمرًا فراجع فلا نُعيد.

وعليه فلا يجوز التدواي به اختيارًا من غير ضرورة فلا بد من توفر الشرائط الآتية لجواز التداوي به وهي:

1 – العلم بكون المرض قابلًا للعلاج وإلا فلا حاجة إليه عندئذٍ.

2 – العلم بأن تركه يؤدي إلى الهلاك أو ما يقاربه لما تقدم في المسألة السابقة ولقاعدة تقديم الأهم على المهم.

3 – العلم بانحصار العلاج به وإلا فلا يكون المريض مضطرًا إلى العلاج بالمحرّم مع وجود الدواء الحلال.

4 – أن يكون التشخيص من الطبيب الحاذق الماهر غير المتسامح والمتساهل في أمر الديانة وشريعة الإسلام العزي

وإلا فعليه أن يصطبر على البلاء والمشقة والمرض، فلعلّ الله تعالى شأنه يعافيه لما رأى منه التحفظ على دينه أو يعطيه الثواب الجزيل على صبره.

وقد شاهدنا بعض أصحاب النفوس الشريفة العالية واهل العزائم الصادقة الزاكية صبروا وتحملوا مشقات الآلام والاوجاع وأبت نفوسهم الخالصة العلاج بالحرام وعافاهم الله تعالى مما ابتلوا به من الامراض حتى الخبيث منها. وأفاض الله عز شأنه عليهم من العوالم الغيبية الدواء والشفاء بعد قطع علائقهم عن الدنيا.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo