< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

43/10/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الأطعمة والاشربة.

القول: في غير الحيوان.

مسألة (36): لو اضطرّ إلى أكل طعام الغير لسدّ رمقه وكان المالك حاضراً، فإن كان هو أيضاً مضطرّاً لم يجب عليه بذله، وهل لا يجوز له ذلك؟ فيه تأمّل، ولا يجوز للمضطرّ قهره. وإن لم يكن مضطرّاً يجب عليه بذله للمضطرّ، وإن امتنع عن البذل، جاز له قهره بل مقاتلته والأخذ منه قهراً. ولا يتعيّن على المالك بذله مجّاناً، فله أن لا يبذله إلّا بالعوض، وليس للمضطرّ قهره بدونه. فإن اختار البذل بالعوض، فإن لم يقدّره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله إن كان قيمياً، أو مثله إن كان مثلياً، وإن قدّره لم يتعيّن عليه تقديره بثمن المثل أو أقلّ، بل له أن يقدّره بأزيد منه ما لم ينته إلى الحرج، وإلّا فليس له. فبعد التقدير إن كان المضطرّ قادراً على دفعه يجب عليه الدفع إن طالبه به، وإن كان عاجزاً يكون في‌ ذمّته. هذا إذا كان المالك حاضراً. ولو كان غائباً فله الأكل منه بقدر سدّ رمقه، وتقدير الثمن وجعله في ذمّته، ولا يكون أقلّ من ثمن المثل. والأحوط المراجعة إلى الحاكم لو وجد، ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين[1] .

 

يمكن تصور المسألة بأن يكون شخص مضطرًا لإنقاذ نفسه من الهلاك بأن يأكل ما يسدّ به رمقه من مال الغير وفي المسألة ثلاث صور كالآتي:

1 – أن يكون مضطرًا لسد رمقه وكان المالك مضطرًا أيضًا وفي هذه الحالة لا يجب على المالك أن يبذله بل لا يجوز له البذل وذلك لتقديم حفظ النفس عن حفظ الغير عندما يدور الأمر بين حفظ كلٍ من النفس في المقام ودليله المرتكزات العقلية.

وهنا لا يجوز للمضطر أن يقهر المالك ويأخذ الطعام منه عنوة ولا يجوز مقاتلته لأنه يكون قهرًا على هلاك نفس المالك وهذا ما لا يجوز بلا خلاف.

2 – أن يكون مضطرًا لسد رمقه والمالك ليس مضطرًا له إن كان المالك حاضرًا وهنا يجب على المالك أن يبذل المال للمضطر، وذلك لوجوب حفظ النفس المحترمة من الهلاك مع القدرة عليه، وهذا ما عليه الاجماع والنصوص الشريفة ومنها:

-(محمد بن عليّ بن الحسين في (عقاب الأعمال) عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن عليّ، عن ابن سنان، عن فرات بن أحنف، قال: قال علي بن الحسين (عليه‌ السلام): من بات شبعاناً وبحضرته مؤمن جائع طاو، قال الله عزّ وجلّ: ملائكتي اُشهدكم على هذا العبد، أنّي قد أمرته فعصاني، وأطاع غيري، ووكلته الى عمله، وعزَّتي وجلالي لا غفرت له أبداً)[2] .

-(قال: وفي رواية حريز، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام)، قال: قال رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله): قال الله تبارك وتعالى: ما آمن بي من بات شبعاناً وأخوه المسلم طاو)[3] .

-(وفي رواية الوصافي، عن أبي جعفر (عليه‌ السلام)، قال: قال رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله): ما آمن بي من أمسى شبعاناً وأمسى جاره جائعاً)[4] .

-(محمد بن الحسن في (المجالس والأخبار) عن جماعة، عن أبي المفضّل، عن حميد بن زياد، عن القاسم بن إسماعيل، عن عبد الله بن جبلة، عن حميد بن جنادة، عن أبي جعفر، عن آبائه، عن النبي (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله)، قال: من أفضل الأعمال عند الله إبراد الكباد الحارَّة، وإشباع الكباد الجائعة، والذي نفس محمد بيده لا يؤمن بي عبد يبيت شبعان وأخوه ـ أو قال: جاره ـ المسلم جائع)[5] .

وغيرها الكثير من الاخبار في المقام. (ب 29 من أبواب التجارة) وغيرها.

نعم إذا امتنع المالك عن البذل جاز له قهره لأجل سقوط اعتبار إذنه شرعًا مع الانحصار.

بل جازت مقاتلته لأنه دفاعٌ عن النفس المحترمة ولكن أخذه قهرًا من المالك لا يتنافى مع جواز طلب البذل وأخذ العوض مع المضطر وله أشباه كما في موارد الاحتكار مثلًا.

فإن اختار البذل بالعوض فإن لم يقدّره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله إن كان قيميًا أو مثله إن كان مثليًا وذلك لأنه العوض الشرعي لكل ما لم يكن فيه العوض المسمى، فيرجع إلى القيمة أو المثل.

وإن قدّره لم يتعين على المالك تقديره بثمن المثل أقل منه، بل له أن يقدره بأزيد منه ما لم ينته إلى الحرج وإلا فليس له الأزيد. وذلك لقاعدة (الناس مسلطون على أموالهم)، ويجوز طلب الزيادة ما لم ينته إلى الحرج فإنه مرفو

وبعد التقدير، إن كان المضطر قادرًا على دفعه يجب عليه الدفع إن طالبه به المالك، وذلك لوجوب دفع العوض بإزاء ما أخذ لعموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود من الكتاب والسُّنة.

وإن كان عاجزًا عن الدفع بالحال يكون عندئذ في ذمته لقوله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[6] .

3 – أن يكون مضطرًا وكان المالك غائبًا فله الأكل بمقدار سد الرمق وتقدير الثمن وجعله في ذمته ولا يكون أقل من ثمن المثل.

وذلك ما يرضى به الله تعالى وهو المناط في المقام لأجل أن الله تعالى هو وليّ المالك. بل هذا ما ينبغي عقلائيًا أن يرضى به المالك وإلا استنكر الناس عليه مع عدم رضاه في هذا المقام.

والأحوط ههنا المراجعة إلى الحاكم لو وُجد ومع عدمه فيرجع إلى عدول المؤمنين، وذلك لكون المقام من الأمور الحسبية المناطة بإذن الحاكم الشرعي مع وجوده وإلا فعدول المؤمنين صانهم الله تعالى من كل مكروه.

 

مسألة (37): يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شي‌ء من الخمر بل وغيرها من المسكرات، وكذا الفقّاع. ثمّ إنّ للأكل والشرب آداباً مندوبة ومكروهة مذكورة في المفصّلات، فليراجع إليها[7] .

ويدل عليه الكثير من الروايات المعتبرة في المقام منها:

-(محمد بن يعقوب، عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، قال كنّا مع أبي عبد الله (عليه‌ السلام) بالحيرة حين قدم على أبي جعفر المنصور، فختن بعض القوّاد ابناً له وصنع طعاماً، ودعا الناس، وكان أبو عبد الله (عليه‌ السلام) فيمن دعي، فبينما هو على المائدة (يأكل ومعه عدَّة على المائدة) فاستسقى رجل منهم، فأُتي بقدح فيه شراب لهم، فلمّا صار القدح في يد الرجل قام أبو عبد الله (عليه‌ السلام) عن المائدة، فسئل عن قيامه؟ فقال: قال رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله): ملعون ملعون من جلس على مائدة، يشرب عليها الخمر)[8] .

-(عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جرّاح المدايني، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام)، قال: قال رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأكل على مائدة، يشرب عليها الخمر)[9] .

-(محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه، عن النبيّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) في حديث المناهي، قال: ونهى عن الجلوس على مائدة، يشرب عليها الخمر)[10] .

 

بل وغير الخمر من المسكرات والفقاع لما تقدم من إلحاقها بالخمر موضوعًا وحكمًا كما تقدم من الاخبار في المسألة (16) فراج

هذا وقد فرغت بعون الله تعالى وتوفيقه وتسديده من كتاب الأطعمة والاشربة بتاريخ 5 شعبان المعظم من عام 1443 هجري.

والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا والصلاة والسلام على خير الأنام محمد وآله الأطهار الكرام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo