< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/03/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء

القول: في المقدمة

 

كلمة لا بد منها فإن القضاء النزيه الحر والفاعل الناجز غالبًا ما يكون متحققًا بوجود الحاكم المبسوطة يده والمتصدي لها دون تدخل ولا تأثير من القوى الباطلة والحكومات الجائرة، ومن قوامه الاستقلال في شكله وهيئته وادارته وما يتعلق به من إرتزاق القاضي من بيت مال المسلمين دون منة من أحد ولا تأثير عليه لتغيير حكم القاضي بما يخالف الشرع الحنيف، بل وهذا لا يتسن غالبًا إلا في ظل حكومة عادلة ترعى شؤون العباد وتحسن ادارة البلاد بما يحقق الأمن والاستقرار والعدل لكي يصل إلى كل ذي حق حقه دون إجحاف ولا ظلم ولا تعسًّف.

ومن نافل القول أن التصدي للقضاء ملازم للإعتقاد بصلاحية القاضي إجراءً وتنجيزًا في زمن غيبة مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه، وهذا يكشف عن تبني الفقيه لمبدأ ولاية الفقيه لا أقل بحدها الأوسط فلا يكون النظر مقتصرًا على ولايته في الأمور الحسبية فحسب بل له الصلاحية في إقامة الحدود والتعزيرات ورد مظالم العباد وارجاع الحقوق لأصحابها وفض النزاعات والخصومات بين العباد وإصلاح الأمور بين الناس.

وقبل الدخول في مسائل القضاء بفصوله المتعددة:

من احكام القضاء عينًا أو كفاية ومتى يحرم أو يكون مستحبًا أو مكروهًا.

ومن شرائط القاضي كالبلوغ والعقل والإسلام والايمان والعدالة والاجتهاد والحرية والأعلمية والذكورة وطهارة المولد.

ومن آداب القاضي بوجوب التسوية بين الخصماء في الآداب والاكرام وحرمة تلقيه لأحد الخصمين وغير ذلك، مما يُعتبر في سماع الدعوى وتشخيص المدَّعي والمنكر، ومن الكلام في جواب المدَّعى عليه من الإقرار أو الانكار والسكوت، وقبل الكلام في طرق اثبات الدعوى، ومن البيّنة واليمين والشاهد الواحد واليمين، ومن شرائط الحلف وكيفيته وصيغته وغير ذلك.

ومن احكام اليد وما معناها، ومن تعارض اليدين والبينتين والحكم في المقام، ومن حكم وصول حكم أحد القضاة إلى قاضٍ آخر.

ومن مبحث المقاصّة ومعناها واحكامها.

وأخيرا من حكم اختلاف العقود والايقاعات وغير ذلك فلا بد من التعرض إلى بعض المطالب منها:

1 – معنى (القضاء) لغةً وشرعًا.

أما لغة فقد أنهاها صاحب الجواهر (قده) إلى عشرة معان، ولكن يمكن ارجاع بعضها إلى بعض لتصير سبعة استعملت في ظاهر القرآن الكريم

ومنها (الامر) بقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ إلا تَعْبُدُواْ إلا إِيَّاهُ﴾[1] .

ومنها (الحكم) بقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾[2] . ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[3]

ومنها (الخلق): بقوله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾[4] .

ومنها (الفعل) بقوله تعالى: ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾[5] .

ومنها (الاعلام) بقوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ﴾[6] اعلمناهم

ومنها (الحتم) و(الجزم) بقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ﴾[7] ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾[8] .

ومنها الاتمام والفراغ بقوله تعالى: ﴿ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾[9] ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَىالْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾[10] ، ﴿فَإذا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ﴾[11] .

ولا أرى وجهًا نافعًا من البحث والنقاش في أن لفظ القضاء في موارد استعماله هل هو من المشترك اللفظي أو المعنوي أو هو بلحاظ الحقيقة أو المجاز بعد الاتفاق على كون الجامع بين الموارد هو الحتم والجزم والانقطاع.

وأما تعدد الموارد فهي لا تعدو عن كونها من دواعي الاستعمال فيما لو قامت القرينة الخاصة على ظاهر ما استعملت فيه للدلالة على المعنى في مورده الخاص.

وهذا هو المدار في إعتباره وحجيته وإن لم يستند إلى الحقيقة كما أنه لا إعتبارية في عدم ظهوره وإن إستند إلى الحقيقة.

وأما شرعًا فإن القضاء كما يبدو من ظاهر كلمات الفقهاء أعلى الله مقامهم ليس بعيدًا عن المعنى اللغوي أعلاه من كونه من مصاديق (الحكم والحتم).

ولقد وجدنا إختلافًا بين الفقهاء (ره) في أن القضاء هل هو الحكم بين الناس لفض الخصومات ورفع النزاعات بينهم؟ أو هو الولاية على الناس فيما يرجعون به إلى القاضي كحاكم ووالي عليهم بما يصلح شأنهم بما يوافق الشرع الحنيف.

وعند التأمل نجد إمكانية الجمع بين التعريفين ولكن مع تحديد اللحاظ المنظور إليه فهو الحكم بين الناس بلحاظ نفس القضاء، وهو الولاية على الناس بلحاظ الحاكم المتولي شؤون رعاية مصالح العباد وما يتعيّن عليهم في حال الخصومة والنزاع كما هو الغالب بينهم أو في مطلق ما يحقق مصالحهم وإن لم تكن بينهم الخصومة وبذلك يمكن التوفيق والجمع بين الفريقين ولا داع لطول النقاش في هذه المسألة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo