< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء

القول: في المقدمة

 

– القاضي إثنان بلحاظ الحجيّة وعدمها:

القاضي إما مخصوص أو منصوص ولا ثالث لهما.

( أ) فالمخصوص وهو ما يُعبرّ عنه بالمنصوب من الامام (عليه السلام) بإذن خاص بالقضاوة. وهذا لا وجود في زمن غيبة مولانا الامام روحي لتراب مقدمة الفداء وذلك لتعيينه من الامام مباشرة وهو غير ظاهر في زماننا، بل يمكن القول بأن ظاهر الأدلة الواردة إلينا عدم تنصيب الأئمة عليهم السلام لأحد من القضاة بشكل خاص في زمن حضورهم الشريف وربما لأجل عدم تصديهم لهذا الأمر بإعتبار أن المتصدين له في زمانهم (عليهم السلام) كانوا الخلفاء الظاهريين من بني أمية إلى بني العباس، بل الظاهر عدم تنصيب مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) في زمانه إلا ما ينقل عنه أنه اشترط على شريح أن لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه.

-(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لما ولّى أمير المؤمنين (عليه السلام) شريحاً القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه)[1] .

ولكن ما يمكن الاستفادة منه عدم تنصيبه للقضاء إذ أنه لو نصّبه لكان واثقًا بأهليته لذلك، ومما يؤيد ذلك قوله (عليه السلام) لشريح: (يا شريح قد دخلت مجلسًا لا يحله إلا تبي أو وصيّ أو شقي).

نعم اُختص ذلك بمالك الأشتر (قده) عندما ولاه على مصر ولكنه لم يصل إليها بعد أن قتله البغاة في طريقه إليها.

ومما تقدم يُعلم أن لا طائل من البحث في القاضي المخصوص (المنصوب) من جهة حجية قوله وشرائطه وما يترتب على ذلك.

(ب) القاضي المنصوص: وهو المنصوص عليه بالنص المطلق والإذن العام وهم النواب العامون للإمام (عليه السلام) وهم الفقهاء الجامعون للشرائط كما سيأتي، بلا فرق بين الحضور وزمن الغيبة لعموم الأدلة الشرعية على ذلك من قبيل:

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فانما يأخذ سحتاً، وإن كان حقّاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ﴾قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخفَّ بحكم الله، وعليه ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله)[2] .

-(وفي كتاب (إكمال الدين وإتمام النعمة) عن محمّد بن محمّد بن عصام، عن محمّد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً، قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك ـ إلى أن قال: ـ وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله، وأمّا محمّد ابن عثمان العمري رضي الله عنه، وعن أبيه من قبل، فإنّه ثقتي، وكتابه كتابي)[3] .

وفيها تبيان لحجية قوله.

وأما ذهب إليه جمعٌ من العلماء (اعلى الله مقامهم) بوجود قسم ثالث تحت مسمى (قاضي التحكيم) فلا وجه له ولا دليل عليه.

وقاضي التحكيم كما المتعارف عليه بينهم أنه: أنه من تراضى به الخصمان وترافعا إليه ليحكم بينهم.

ولا أريد ههنا أن أدخل في إعتبار رأيه وعدمه، أو في ما يُشترط فيه، أو في الدليل عليه وما شابه.

وذلك لأن الفقهاء (اعلى الله مقامهم) اتفقوا على أن قاضي التحكيم يشترط فيه كل ما يشترط في مطلق القاضي من الشرائط ومنها الاجتهاد.

كما أنهم إتفقوا على أنه يُعتبر فيه ما يُعتبر في القاضي المنصوب من الشرائط.

وعليه فقاضي التحكيم مختص بحال حضور الامام (عليه السلام). وقد تقدم قولنا في التنصيب في زمن حضوره (عليه السلام) أما في زمن الغيبة فلا حاجة لهذا القسم الثالث إذ أن القاضي الجامع للشرائط بما فيها الاجتهاد فحكمه نافذ لعموم الإذن من الإمام (عليه السلام).

بقي أخيرًا أن الفقهاء (اعلى الله مقامهم) إتفقوا على أن القضاء منصب إلهيٌ خطيرٌ وصحته وصحة حكم القاضي ونفوذه إنما هو متقوم بالإذن من الله ورسوله وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام)، وإلا فهو باطل مؤداه النار وغضب الجبار.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo