< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء

القول: في احكام القضاء.

 

مسألة (2): لا يتعيّن القضاء على الفقيه إذا كان من به الكفاية ولو اختاره المترافعان أو الناس[1] .

 

إن غاية ما يمكن قوله في الوجوبات المتوجهة إلى المكلفين من جهة الأمور النظامية التي تحتاج إليها الناس لتنظيم شؤونها وحل نزاعاتها وإدارة احوالها، هو الوجوب الكفائي لا العيني، فطالما أن هناك أكثر من واحد ويمكن لأي واحد منهم أن يقوم بالأمر إذا كان به الكفاية وعليه يلتغي موضوع الوجوب العيني ولا دليل عليه كما هو واضح وهذا ما يتفق مع الأصل، بالإضافة إلى الاجماع عليه.

 

مسألة (3): يستحبّ تصدّي القضاء لمن يثق بنفسه القيام بوظائفه، والأولى تركه مع وجود من به الكفاية؛ لما فيه من الخطر والتهمة[2] .

 

أما قضية إستحباب التصدي للقضاء فيمكن الاستدلال عليه:

-عقلًا وذلك لكونه يفضي إلى إقامة العدل والإحسان وهذا حسنٌ بذاته وممدوح عقلًا.

-وشرعًا للروايات العديدة منها:

-(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول لشريح: انظر إلى (أهل المعك والمطل، ودفع) حقوق الناس من أهل المقدرة واليسار، ممّن يدلي بأموال الناس إلى الحكّام، فخذ للناس بحقوقهم منهم، وبع فيها العقار والديار فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: مطل المسلم الموسر ظلم للمسلم. ومن لم يكن له عقار، ولا دار، ولا مال فلا سبيل عليه. واعلم أنّه لا يحمل الناس على الحقّ، إلاّ من ورعهم عن الباطل. ثمّ واسِ بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك، حتّى لا يطمع قريبك في حيفك، ولا ييأس عدوّك من عدلك. ورد اليمين على المدّعي مع بيّنته، فإنَّ ذلك أجلى للعمى، وأثبت في القضاء.

واعلم أنَّ المسلمين عدول بعضهم على بعض، إلاّ مجلود في حدّ لم يتب منه، أو معروف بشهادة زور، أو ظنين. وإيّاك والتضجّر والتأذّي في مجلس القضاء، الّذي أوجب الله فيه الأجر، ويحسن فيه الذخر لمن قضى بالحقِّ.

واعلم أنَّ الصلح جائز بين المسلمين إلاّ صلحاً حرَّم حلالاً، أو أحلّ حراماً. واجعل لمن ادّعى شهوداً غيّباً أمداً بينهما، فإن أحضرهم أخذت له بحقّه، وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضيّة. وإيّاك أن تنفذ قضيّة في قصاص، أو حدّ من حدود الله، أو حقّ من حقوق المسلمين، حتّى تعرض ذلك عليَّ إن شاء الله، ولا تقعد في مجلس القضاء حتّى تطعم)[3] .

-(عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن موسى بن سعدان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي إبراهيم (عليه‌ السلام) في قول الله عزّ وجلّ (يحيى الأرض بعد موتها) قال: ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالا فيحيون العدل، فتحيى الأرض لإحياء العدل، ولإقامة الحد فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا)[4] .

وأما ما استشكل عليه بعض الفقهاء ههنا من كيفيّة الجمع بين الاستحباب المذكور في المسألة وبين الحكم بوجوب القضاء كفاية أو عينًا مع كون المتعلّقين واحد ولا بديّ ثبوت التغاير بين المتعلقين في اجتماع حكمين على فعل واحد.

وقد تصدى السيد (قده) في ملحقات العروة الوثقى: أنه يمكن أن يجاب عن الاشكال بأن المراد من استحبابه العيني استحباب المبادرة اليه والمسابقة على الغير، فيختلف موضع الحكمين.

ولكن هذا قد يجرّ إلى اشكال آخر وهو أنه كيف يعقل استحباب المبادرة من كل قاض عينًا مع كون الفعل واحدًا لا يقبل التكرار، بل لا يُتصور إستحباب مثله عينًا وإن لم يكن وجوب.

أقول: يمكن التفصّي عن الاشكال بأن يقال أن مسألة الحكمين متغايران من جهة أصل الاتيان بالمقدمات الموصلة لمنصب القضاوة فهو مستحب وبعد التلبس بصفة القاضي فيكون الحكم واجبًا كفائيًا أو عينيًا عليه.

أو أن نفرّق بين الحكمين من جهة أن الوجوب ناطرٌ إلى أداء القاضي كوظيفة عليه الاتيان بها، والاستحباب ناظرٌ إلى الرجاء بحصول الاجر والثواب من الله عليه بالمبادرة له.

كما تشير إليه رواية سلمة بن كهيل المشتملة على وصية امير المؤمنين علي (عليه السلام) لشريح القاضي. والله العالم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo