< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء

القول: في احكام القضاء.

 

مسألة (4): يحرم الترافع إلى قضاة الجور -أي ‌من لم يجتمع فيهم شرائط القضاء- فلو ترافع إليهم كان عاصياً، وما أخذ بحكمهم حرام إذا كان ديناً، وفي العين إشكال إلّا إذا توقّف استيفاء حقّه على الترافع إليهم، فلا يبعد جوازه، سيّما إذا كان في تركه حرج عليه، وكذا لو توقّف ذلك على الحلف كاذباً جاز[1] .

 

تشتمل هذه المسألة على عدة قضايا:

-1- الأولى: في حرمة الترافع إلى قضاة الجور.

ويمكن الاستدلال على ذلك بما مرّ معنا سابقًا بالأدلة الأربعة فأما من الكتاب العزيز، فلقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[2] .

وأما من السنة الشريفة فللروايات العديدة المستفيضة الدالة على حرمة التحاكم والتقاضي عند قضاة الجور، منها:

-(عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ فقال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل، فإنّما تحاكم إلى طاغوت، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى :(يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ)[3] .

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن عليِّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن أبي الجهم، عن أبي خديجة، قال: بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا، فقال: قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة، أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء، أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلاً، قد عرف حلالنا وحرامنا، فإنِّي قد جعلته عليكم قاضياً، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر)[4] .

ومن الاجماع فقد أطبق علماء الإمامية على ذلك بل عُدّ ذلك من الضرورة الدينية.

ومن العقل، فلا شبهة في أن العقل يقضي بقبح التعاون مع الجائر وقبح تأييده وتقريره لما يحكم ويفتي به.

-2- الثانية: وهي تفسير السيد الماتن (قده) لقاضي الجور وهو: مَن لم تجتمع فيه شرائط القضاء ومنها العدالة والاجتهاد مثلًا.

وهو التفسير الأقرب إلى إصابة الواقع وذلك لأن التصدي إلى منصب القضاء وحل الخصومات بين الناس مع فقده لبعض شرائط القضاء فهو مخالف للشرع الحنيف ولا يأمن على نفسه من الوقوع في الخطأ والمعصية فهو جائرٌ حكمًا أو موضوعًا أو كلاهما، مضافًا إلى أن القاضي إما في الجنة أو في النار كما ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وأله).

-(عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن عليِّ بن سيف، عن سلمان بن عمرو بن أبي عيّاش، عن أنس بن مالك، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، قال: لسان القاضي بين جمرتين من نار، حتى يقضي بين الناس، فإمّا إلى الجنّة، وإمّا إلى النار)[5] .

ومَن لم يستجمع شرائط القضاء فهو ممّن يستحق النار.

وأما ان مَن ترافع إلى قاضي الجور فهو عاصٍ. وذلك لكونه داعمًا ومؤيدًا له ولأباطيله وهو كما تقدم أنه محرّم بوجوه الأدلة.

بل يُقال أكثر من ذلك وهو أن الجلوس إلى ذلك القاضي من العاصين لرواية محمد بن مسلم:

-(عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن مسلم، قال: مرّ بي أبو جعفر (عليه السلام)، أو أبو عبد الله (عليه السلام)، وأنا جالس عند قاضٍ بالمدينة، فدخلت عليه من الغد، فقال لي: ما مجلس رأيتك فيه أمس؟ قال: فقلت: جعلت فداك، إنَّ هذا القاضي لي مكرم، فربما جلست إليه، فقال لي: وما يؤمنك أن تنزل اللعنة، فتعمّ من في المجلس)[6] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo