< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في صفات القاضي وما يناسب ذلك‌.

تابع مسألة (1): يشترط في القاضي: البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، والاجتهاد المطلق، والذكورة، وطهارة المولد، والأعلمية ممّن في البلد أو ما يقربه على الأحوط. والأحوط أن يكون ضابطاً غير غالب عليه النسيان، بل لو كان نسيانه بحيث سلب منه الاطمئنان فالأقوى عدم جواز قضائه. وأمّا الكتابة ففي اعتبارها نظر. والأحوط اعتبار البصر؛ وإن كان عدمه لا يخلو من وجه)[1] .

 

-4- العدالة: لا يخفى أن المراد من العدالة هو الإستقامة على جادة الشريعة ولازمها فعل الواجب وترك الحرام وإلا كان فاسقًا فلا يؤتمن على حقوق الناس واموالهم واعراضهم ودمائهم، وإذا كان الأمر كذلك فالفاسق العاصي لأوامر الله تعالى ونواهيه من أبرز مصاديق الظالم لنفسه ولغيره بلا فرق في المقام.

وذلك أن الظلم حالةٌ نفسانية تبعث على العبث بالحقوق والواجبات، وعليه فكما أنها قد تكون على نفسه فهي أيضًا على غيره من الناس، فلا يُقال بأنه قد نجد إنسانًا ظالماً لنفسه ولكنه عادلٌ في المسلمين، بل يُقال أن مراعاة النفس أولى من مراعاة الآخرين غالبًا، مع إحتمال أن يكون الانسان منصفًا مع الآخرين وإن كان ظالماً لنفسه إلا أن إطلاق الأدلة – كما سنرى – يشمل العادل في نفسه والعادل في المسلمين.

ومما يستدل به على اشتراط العدالة أمور:

1 – الاجماع: ولم أجد خلافًا بين الفقهاء على اشتراط العدالة في القاضي ومع عدمها فهو فاسق لا ينفذ حكمه ولا قضاؤه، وقد ادعى الاجماع جملة من الفقهاء منهم السيد اليزدي في عروته[2] ، حيث قال: (الخامس: العدالة للإجاع والمنع من الركون إلى الظالم ولقصوره عن مرتبة الولاية على الصبي والمجنون فكيف بهذه المرتبة الجليلة).

وهكذا إدعاه صاحب مستند الشيعة[3] ، وصاحب الرياض[4] ، والسيد الأستاذ في مباني تكملة المنهاج [5] . وغيرهم.

2 – ويمكن الاستدلال على العدالة بقوله تعالى:

-﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾[6] . والواضح منها النهي عن الركون إلى مطلق الظالم وخاصة في مقام القضاء الذي هو من المراتب الجليلة التي من شأنها أن تحافظ على حقوق الناس وتردّها إلى أهلها وتنصر المظلومين، والترافع إلى القاضي الفاسق هو من أظهر وأبرز مصاديق الركون إلى الظالم.

3 – الاستدلال بالروايات العديدة في المقام ومنها صحيح سليمان بن خالد عن مولانا الصادق (عليه السلام):

-(عن عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد الله المؤمن، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: اتّقوا الحكومة، فإنَّ الحكومة إنّما هي للإِمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبي، أو وصيّ نبيّ)[7] .

ومنها معتبرة ابي خديجة سالم بن مكرم عن مولانا الصادق (عليه السلام):

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن عليِّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن أبي الجهم، عن أبي خديجة، قال: بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا، فقال: قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة، أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء، أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلاً، قد عرف حلالنا وحرامنا، فإنِّي قد جعلته عليكم قاضياً، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر)[8] .

وتعليق النهي على عنوان الفسق مشعرٌ بعليته كما هو واضح. وغيرها من الروايات.

4 –إن المعلوم من كون القضاء هو من أبرز مهمات الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) منا في تقرير أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح (يا شريح قد جلست مجلسًا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي).

-(عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب ابن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي جميلة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح: يا شريح! قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبيّ، أو وصيّ نبيّ أو شقيّ)[9] .

وعليه فلا يصح أن يتولاه الشقي والفاسق الذي لا يتورع عن إرتكاب المحرمات والموبقات ويعتدي على الحقوق، فكيف يؤتمن على أموال الناس وأعراضهم ودمائهم؟

فشرف المقيم من شرف المقام.

5 –الأولوية: بعضهم استدل بأولوية إعتبار العدالة في القاضي لا في إعتبارها في الشاهد وإمام الجماعة خاصة أن الشهادة أحد متفرعات القضاء فإشتراط العدالة بالقاضي أولى من إشتراطها بالشاهد وذلك لان الفاسق لا ولاية له على الصبيان والمجانين فكيف الحال على غيرهم.

مضافًا إلى أن القاضي العادل لا يزال خائفًا من الإجحاف وإلحاق الظلم بالناس نتيجة ما يتعرض له من الإغراءات من الرشاوي والهدايا والمحاباة، فكيف الحال بالفسق الذي لا يتورّع عن إتباع الهوى والميل إلى الدنيا وحطامها.

ولأجل ما تقدم فالاقوى المتعيّن إشتراط العدالة في القاضي. والله العالم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo