< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

 

القول: في صفات القاضي وما يناسب ذلك‌.

تابع مسألة (1): يشترط في القاضي: البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، والاجتهاد المطلق، والذكورة، وطهارة المولد، والأعلمية ممّن في البلد أو ما يقربه على الأحوط. والأحوط أن يكون ضابطاً غير غالب عليه النسيان، بل لو كان نسيانه بحيث سلب منه الاطمئنان فالأقوى عدم جواز قضائه. وأمّا الكتابة ففي اعتبارها نظر. والأحوط اعتبار البصر؛ وإن كان عدمه لا يخلو من وجه)[1] .

 

وبما يستدل به على كفاية الإجتهاد دون قيد الإطلاق منه معتبرة سالم بن مكرم (ابي خديجة):

-(محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم، يعلم شيئاً من قضايانا، فأجعلوه بينكم، فأنّي قد جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه)[2] .

فقول الإمام (عليه السلام): (يعلم شيئًا من قضايانا) ولم يقل كلّ قضايانا أو جميع قضايانا، لعلمه (عليه السلام) بأن ذلك لا يتأتى لأحد غير المعصومين (عليهم السلام). فإن علوم الفقهاء كلها لا تقاس بقطرة من المحيط الواسع.

فلا بد من حمل كلمة (شيء) على المقدار المعتد به ليتسنى للقاضي أن يحكم بما أنزل الله وما أراد اهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام).

وليس المراد من الكلمة هو الشيء اليسير الذي لا يخوله معرفة الحكم والقضية المتنازع فيها بين المتداعيين، وإلا لما كان جديرًا بالحكم والقضاء.

إن قلت: بأن هذه الرواية متعارضة مع مقبولة عمرو بن حنظلة حيث يقول فيها الإمام (عليه السلام): (ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكمًا، فإني قد جعلته عليكم حاكمًا).

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن عليِّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن أبي الجهم، عن أبي خديجة، قال: بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا، فقال: قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة، أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء، أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلاً، قد عرف حلالنا وحرامنا، فإنِّي قد جعلته عليكم قاضياً، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر)[3] .

وعليه فالمراد من صفة القاضي المجتهد المطلق الذي يعرف تمام الأحكام.

قلت: أولًا: لا يمكن حمل (عرفَ احكامنا) على العموم مع بقاء قوله (عليه السلام) (عرف) على ظاهره من المعرفة الفعلية لوضوح عدم قدرة أحد من الفقهاء على معرفة تمام احكام الإمام (عليه السلام) حتى في خصوص موارد القضاء كما يريد الإمام (عليه السلام) من احكام كما هو عند الله تعالى في اللوح المحفوظ ممّا لا يعرقه إلا الإمام المعصوم (عليه السلام) وحده.

وإن أبيت إلا التعارض فيمكن حله بحمل المطلق على المقيد فمقبولة عمرو بن حنظلة مطلقة

(عرفَ احكامنا) ومعتبرة سالم بن مكرم مقيدة (عرف شيئًا من قضايانا).

وعليه فالجمع بينهما بأن يقال:

(أن من روى حديثنا ونظر في حلالهم وحرامهم وعرف شيئًا من قضاياهم فحكمه لازم ونافذ وهو الذي جعله الإمام (عليه السلام) حاكمًا على الناس.

هذا، فضلًا عمّن اشترط (الأعلمية) في المجتهد وذلك لإطلاقات الأدلة المتقدمة من كفاية الإجتهاد في القاضي.

إن قلت: إن هذه الأدلة غير ناظرة إلى جهة البيان من هذه الخصوصية، فلا إطلاق في هذا المورد لنفي اشتراط الأعلمية، بل هي ناظرة إلى النهي عن الترافع عند قضاة الجور والطغيان.

قلت: أولًا: سياقها في مقام البيان لمواصفات القاضي الشرعي خصوصًا بعد أن بيّن الإمام (عليه السلام) بعض خصوصياته من جهة النظر في الحديث عنهم ومعرقة الحلال والحرام وشيء من احكامهم.

ولو كانت الأعلمية فيه مأخوذة على نحو الشرط لكان على الإمام (عليه السلام) أن يبين ذلك رفعًا للجهالة ومنعًا من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه.

وثانيًا: فإننا إذا اشترطنا الأعلمية في القاضي فهذا يلزم منه العسر والحرج، فضلًا عن تعذره وندرته في كل زمان، وهذا مما لا يتسنى للناس مراجعته مع كثرة حالات النزاع والخصومة بين الناس، مع عدم وجود الأعلم إلا بعدد قليل جدًا منهم في كل زمان من عمر اللإنسان.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo