< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

 

القول: في صفات القاضي وما يناسب ذلك‌.

تابع مسألة (1): يشترط في القاضي: البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، والاجتهاد المطلق، والذكورة، وطهارة المولد، والأعلمية ممّن في البلد أو ما يقربه على الأحوط. والأحوط أن يكون ضابطاً غير غالب عليه النسيان، بل لو كان نسيانه بحيث سلب منه الاطمئنان فالأقوى عدم جواز قضائه. وأمّا الكتابة ففي اعتبارها نظر. والأحوط اعتبار البصر؛ وإن كان عدمه لا يخلو من وجه)[1] .

 

6 – الذكورة:

ومن الشرائط المعتبرة في القاضي (الذكورة) حيث ذهب الأعم الأغلب من الفقهاء (اعلى الله مقامهم) إلى اشتراط أن يكون القاضي ذكرًا وليس امرأة، وقالوا بعدم نفوذ حكم المرأة في جانب القضاء بين الناس بالغ ما بلغت من العلم والفهم والإدراك وتحقق العدالة والأمانة وغيرها.

بل إدعى جمع منهم الإجماع على ذلك كما سيأتي:

واستدلوا على انحصار منصب القضاء بالرجل دون المرأة بأمور:

الأول: الإجماع: وادعاه الشيخ (قده) في مبسوطه[2] ، وخلافه[3] . والمحقق (قده) في شرائعه[4] . والعلامة (قده) في قواعده[5] ، والشهيدان (قده): الأول في دروسه[6] ، والثاني في مسالكه[7] .

وذهب صاحب الجواهر (قده) إلى نفي الخلاف[8] ، وغيرهم قديمًا وحديثًا.

ويمكن نقاشه بل رده بأن المحتمل جدًا بل المطمئن له كونه مدركيًا لمصاحبة من استدل به للعديد من الأدلة النقلية والأصل، وعليه فلا يكون إجماعًا تعبديًا كاشفًا عن رأي المعصوم.

الثاني: الأصل: واستدلوا بالأصل لإعتبار أن الأصل هو عدم ثبوت ولاية أحد على أحد إلا ما قام الدليل عليه وخرج الرجل بالدليل وهو القدر المتيقن فتبقى المرأة تحته، ويمكن الإجابة عليه بأن الأصل لا مكان له كما تقدم منا أكثر من مرة وذلك –لا أقل– من وجود بعض الإطلاقات والعمومات فلا تصل النوبة إلى الإستفادة من الأصل.

الثالث: استدلوا على اشتراط الذكورة بروايات منها:

أ – معتبرة ابي خديجة (سالم بن مكرم)، حيث يقول فيها الامام (عليه السلام):

-(محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم، يعلم شيئاً من قضايانا، فأجعلوه بينكم، فأنّي قد جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه)[9] .

وتقريب الإستدلال بأن الامام (عليه السلام) قيّد قضية الرجوع في حل النزاعات وفض الخصومات بين الناس بالرجل دون المرأة وقالوا بعد ذلك بعدم شرعية تولي المرأة للقضاء وعدم نفوذ حكمها.

ويمكن النقاش فيها بأن ذكر الرجل ههنا إنما هو من باب ضرب المثال وليس الحصر، وله أشباه ونظائر عديدة في أدلة التشريع سواءٌ أكانت في الآيات الكريمة أو الروايات الشريفة ومنها ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمولانا امير المؤمنين (عليه السلام):

-(عن علي (عليه السلام) قال: لما بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى اليمن قال: يا علي لا تقاتل أحدا حتى تدعوه إلى الإسلام، وأيم الله لئن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس ولك ولاءه)[10] ، ومن الواضح أنه ليس المراد منه الحصر، وأنه لو هدى الله به امرأة فلا يكون ذلك خيرًا له مما طلعت عليه الشمس.

مضافًا إلى أنه يمكن القول ههنا بأن غاية ما يمكن الإستفادة منه هو سقوط التكليف في المقام عن المرأة وأنها غير ملزمة بمنصب القضاء وليس عدم شرعيته منها، فالفارق واضح بين القول بعدم الزامها بالقضاء وبين عدم شرعيته منها، هذا مضافًا إلى أن الغالب مما كان عليه المجتمع يومذاك هو تولي الرجل للقضاء وما شابه ذلك، وهذا ما كان عليه بطبيعة ثقافته وعاداته وتقاليده وما نشأ عليه وما كانوا يألفونه في المقام في ذاك الزمان بل كان القوم يستنكرون تصدي المرأة لهكذا أمور وجاءت بعض الروايات لتحاكي ما كان عليه الناس لا على نحو الإلزام والحصر.

مضافًا إلى أن القيد في الرواية مبني على مفهوم اللقب ولا حجية فيه إجماعًا.

-ب- رواية الصدوق (قده):

( محمّد بن عليِّ بن الحسين بإسناده عن حمّاد بن عمرو، وأنس بن محمّد، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه في وصيّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام)، قال: يا عليّ! ليس على المرأة جمعة ـ إلى أن قال: ـ ولا تولّى القضاء)[11] .

ويمكن نقاشه –بعد ضعف سنده– بما تقدم من أن القضاء ليس أمرًا ملزمًا على المرأة وهي غير مكلفة به وليس المراد عدم جواز توليها منصب القضاء كما هي الدعوى.

وهكذا الحال في قضية سقوط التكليف عن المرأة بالجمعة، فإنه حتمًا ليس المراد منه عدم صحة صلاتها، بل عدم إلزامها بها كما هو واضح.

-ج- استدل بعضهم لإشتراط الرجولة في القاضي دون المرأة بأن القضاء يستلزم الخروج من البيت وهي مأمورة بأن تبقى في بيتها فلا تخرج، وبأن القضاء يستلزم مخالطة الرجال ومجالستهم والحديث معهم وهي ممنوعة من ذلك درأً للفتنة والفساد.

ويمكن ردُّه بأن الإسلام العزيز لم يمنع المرأة من الخروج من بيتها خاصة فيما هو واجب عليها به، كالإتيان بالحج الواجب وصلة الارحام وما تُلجأها الضرورة بالخروج منه كما هو واضح وأما الآية الكريمة: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[12] :

فأولًا: نلاحظ أن الخطاب في الآية الكريمة موجه إلى نساء التبي (صلى الله عليه وآله) خاصة دون كافة النساء على الاطلاق.

وثانيًا: المراد من الآية تحديد وظيفة المرأة الأساس هي رعاية الأولاد والإنتباه لهم والتفرّغ لحسن تربيتهم لغياب الأب عن البيت غالبًا لوجوده في العمل، ولإدارة شؤون المنزل وما يستلزم من إهتمام به.

وثالثًا: الأمر في (وقرن) مرتبط بما يستلزم من خروجها التبرج والتزيين ومظاهر الافتنان في المجتمع في قوله تعالى: (ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية).

أما إذا كان خروجها لغير ذلك فلا أمر بالبقاء في البيت كما هو واضح.

رابعًا: المتأمل في السيرة يجد بأنه حتى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) كنّ يخرجنّ من بيوتهن ويصاحبن النبي (صلى الله عليه وآله) في سفراته وغزواته.

خامسًا: لم يدل الدليل على حرمة الإختلاط بذاته مع الرجال إذا كان محتشمًا ومراعيًا للضوابط والآداب الإسلامية، وكما الحال في محادثة الرجال لنفس ما تقدم، غاية ما دل الدليل على حرمة الإختلاط والمحادثة مع الرجال فيما لو إنجر إلى الحرام خاصة كما هو واضح.

سادسًا: يمكن للمرأة أن تمارس القضاء في بيتها وتقضي بين النساء، أو تمارس وظيفة القضاء دون أن يستلزم مخالطة الرجال وعليه ولأجل النقاش بما تقدم من أدلة فلا مانع علمي من أن تكون المرأة قاضية.

ولكن الانصاف: أن مجموع الأدلة المتقدمة على كثرتها وصعوبة النقاش فيها، خصوصًا مع تمامية الإجماع المدّعي، ورواية (انظروا إلى رجل منكم).

(وليس على النساء جمعة ولا جماعة . . . إلى قوله ولا تولى القضاء).

وفي رواية أخرى (لا تولى الإمارة).

وغيرها من الأدلة وإن أمكن النقاش فيها كما تقدم إلا أن الأحوط شديدًا الإقتصار على قضاء الرجل دون المرأة وإلا عند الضرورة أو انحصار القضاء بها. والله العالم.

 


[3] - الخلاف، الشبخ الطوسي، ج06، ص213، ط. مؤسسة النشر الإسلامي

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo