< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في صفات القاضي وما يناسب ذلك‌.

 

تابع مسألة (1): يشترط في القاضي: البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، والاجتهاد المطلق، والذكورة، وطهارة المولد، والأعلمية ممّن في البلد أو ما يقربه على الأحوط. والأحوط أن يكون ضابطاً غير غالب عليه النسيان، بل لو كان نسيانه بحيث سلب منه الاطمئنان فالأقوى عدم جواز قضائه. وأمّا الكتابة ففي اعتبارها نظر. والأحوط اعتبار البصر؛ وإن كان عدمه لا يخلو من وجه)[1] .

 

8 – الأعلمية:

اختلف الفقهاء (اعلى الله مقامهم) في اشتراط الأعلمية في القاضي وقد استدل المثبتون لها بوجوه أهمها:

أ – مقبولة عمر بن حنظلة:

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما ـ إلى أن قال: ـ فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما، واختلف فيهما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال: الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما، في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر، قال: فقلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على صاحبه، قال: فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به، المجمع عليه عند أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه ـ إلى أن قال: ـ فإن كان الخبران عنكم مشهورين، قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عرفاً حكمه من الكتاب والسنّة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة، والآخر مخالفاً لهم، بأيّ الخبرين يؤخذ؟ فقال: ما خالف العامّة ففيه الرشاد، فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالآخر، قلت: فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً؟ قال: إذا كان ذلك فارجئه حتّى تلقى إمامك، فإنَّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات)[2] .

وتقريب الإستدلال فيها واضح من خلال إرجاع الإمام (عليه السلام) الحكم إلى الأفقه عند الإختلاف بين القاضيين.

ويمكن ردُّه: بأن الرواية ناظرة إلى حالة التعارض بين حكمي القاضيين بقضية خاصة رفعها أحد الخصمين إلى قاضٍ غير الذي رفعها الآخر إلى قاضٍ آخر.

واختلف القاضيان في مدرك الحكم وبيانه من حيث المعطيات التي قدمها كل خصم لقاضيه.

وهذا من الواضح أنها ليست ممّا نحن فيه بإشتراط الأعلم منهما في مقام التنازع.

ب – ما ورد في عهد امير المؤمنين (عليه السلام) لواليه مالك الأشتر على مصر حيث قال:

(ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممّن لا تضيق به الأمور ولا تمحكّه الخصوم، ولا يتمادى به الذّلة . . .)[3] .

وفيه: أنه بغض النظر عن النقاش في سنده كما في سند الشيخ (قده)، أو تضعيفه من قبل النجاشي (قده). كما في معجم رجال الحديث في طريقي الشيخ والنجاشي (قده) لسند العهد[4] . حيث وقع في طريقه كل من ابن ابي جيد والأصبغ بن نباته ولكن الأقرب وثاقة كل منهما لتوثيق السيد الأستاذ الخوئي (قده) لإبن ابي جيد لكونه من مشايخ النجاشي كما وثق الأصبغ لوروده في كامل الزيارات وبغض النظر عن تمامية التوثيق للكتاب المذكور وعدمه إلا أن الأقوى توثيق الأصبغ لعدم الخلاف عند أحد من المحدثين والفقهاء (اعلى الله مقامهم) أنه كان من خاصة امير المؤمنين (عليه السلام) بالإضافة إلى شهرة العهد عند الإمامية (صانهم الله من كل مكروه)، مع تلقيهم إياه تلقي المسلمات مما يغني الأمر عن دراسة السند.

ولكن يمكن النقاش في دلالته على ما نحن فيه من الشاهد: (إختر للحكم بين الناس افضل رعيتك).

فإن كلمة افضل وأن كانت تتضمن لمعنى الأعلم لكونه من مصاديق الأفضل إلا أن ظاهر السياق العام هو الحديث عن الآداب والمستحبات والسنن التي ينبغي أن يتحلى بها القاضي وذلك لمن تأمل بالفقرات التي تلت هذه الفقرة، مع أنه لا يمكن لأحد من الفقهاء أن يتبنى كونها دالة على اللزوم.

هذا، ويمكن القول بإمكانية الإستدلال على عدم إشتراط الأعلمية وذلك بالتمسك بالإطلاقات والعمومات الواردة في المقام وليس فيها دلالة وذكر لإشتراط الأعلمية.

فلا يقال: بأن الإطلاقات والعمومات غير واردة لبيان هذه الجهة لصحة التمسك بها، بل اطلاقها لجهة النهي عن الترافع عند قضاة الجور ولزوم الرجوع إلى قضاة العدل.

بل يقال: بأن ظاهر هذه الإطلاقات والعمومات ناظرة الى بيان الشارع للقضاة الذين ينبغي الرجوع اليهم وما هي صفاتهم، فلو كانت الأعلمية شرطًا في القاضي لذكره الإمام (عليه السلام) وبيّنه درأً لتأخير البيان عند وقت الحاجة.

هذا مضافًا، الى أنه لو إشترطنا الأعلم في القاضي للزم الحرج والمشقة على الناس، وذلك لعدم وجود الأعلم في كل زمن إلا الفرد النادر وقد ينحصر بشخص أو شخصين، وعندئذ يتعذر إمكان رجوع الناس إليه مع كثرة النزاعات والخلافات فيما بينهم، أصلح الله أمورنا وأمورهم من كل شر وسوء.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo