< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في صفات القاضي وما يناسب ذلك‌.

 

مسألة (5): لو اختار كلّ من المدّعي والمنكر حاكماً لرفع الخصومة، فلا يبعد تقديم اختيار المدّعي لو كان القاضيان متساويين في العلم، وإلّا فالأحوط اختيار الأعلم، ولو كان كلّ منهما مدّعياً من جهة ومنكراً من جهة اخرى، فالظاهر في صورة التساوي الرجوع إلى القرعة[1] .

 

في المسألة صورتان:

الصورة الأولى: أيّ الحاكمين يقدّم عند اختلاف المدّعي والمنكر في الدعوى.

وقبل الإجابة عن ذلك لا بد:

أولًا من تشخيص من هو المدّعي ومن هو المنكر في حال ما لو كانا متمحضين من هذه الجهة، بأن كان المدّعي مدعيًا فقط، والمنكر منكرًا كذلك، وقد اختار كل واحد منهما حاكمًا مختلفًا عن خصمه لرفع النزاع بينهما.

ثانيًا إذا كان الحاكمان متساويين في العلم.

أما أولًا: فقد اختلف الأعلام (اعلى الله مقامهم) ظاهرًا في تعريف كل من المدّعي والمنكر، فقد ذهب بعضهم إلى التعريف الآتي:

أ – المدّعي: من لو ترك تُرك، وهذا بخلاف المنكر فإنه لو ترك لا يُترك، وذلك لكون المدّعي يطلب حقًا من غيره، فلو ترك المطالبة بما يعتقد أنه حقًه فإنه يُترك ولا شيء عليه، بخلاف المنكر فإنه لا يُترك لو ترك لأنه مطالبٌ بشيء ما من المدّعي، ولا يُترك إلا بدحض دعوى المدّعي.

ب - وذهب بعضهم إلى التعريف الآتي:

المدّعي: مَن كان قوله مخالفًا للأصل (أعم من الأصول العملية أو الشرعية) والمنكر هو من كان قوله موافقًا للأصل.

كما لو تنازعا في دَين يدعيه زيد على عمرو وينكره الأخير فالأصل العملي (البراءة) يوافق قول المنكر فهو بريء الذمة لإستصحاب عدم إشتغال ذمة عمرو بدَيّن لزيد.

ج – وبعضهم ذهب إلى التعريف بأن:

المدّعي: هو مَن كان قوله مخالفًا للظاهر، والمنكر مَن وافق قوله الظاهر.

وعند التأمل نجد أن هذا التعريف إما مردّه إلى التعريف الثاني (المدّعي من خالف قوله الأصل)، أو أنه غير واضح.

وذلك لأن الظاهر إن كان المراد منه ظاهر الحال المعتبر شرعًا كاليد مثلًا فإنه يدخل تحت مصاديق التعريف الثاني لشموله للظاهر المعتبر شرعًا، وإن أريد منه ظاهر الحال غير المعتبر شرعًا ولا عقلًا لإثبات الواقع، فإنه لا إعتبار فيه، فلا يكون معيارًا لتمايز المدّعي من المنكر وهناك تعريفات أخرى أعرضنا عن ذكرها لعدم إعتبارها أو لرجوعها إلى أحد التعريفين الأولين.

وعلى أي حال، فالحق يُقال أن المراد من التعريفات السابقة إنما هي لشرح المفهوم وتبيان المصاديق وليست لغرض تبيان المعنى اللغوي والعرفي للفظ المدّعي والمنكر فإنهما واضحان من خلال معرفة مجريات الأمور وسياق الدعوى.خاصة فيما لو صار المدّعي منكر أيضًا والمنكر صار مدعيًا كذلك، كما لو ادعى زيد بدَين له في ذمة عمرو، وأقرّ عمرو به ولكنه ادعى الوفاء به وأنكره زيد مثلًا.

وأما ثانيًا: إذا كان الحاكمان متساويين في العلم.

فلم يستبعد السيد الماتن (قده) تقديم إختيار المدّعي لو كان القاضيان متساويين في العلم، وإلا فالأحوط اختيار الأعلم.

ويمكن الاستدلال عليه بالإجماع كما ذهب إليه صاحب المستند[2] .

كما استدل بعضهم على تقديم قول المدّعي، لأنه لو تَرك تُرك ولكنه كما ترى، فإنّ فيه ما فيه، وأنه أول الكلام، وذلك لتوقفه على ثبوت الدعوى، وهي لا تثبت إلا بعد فصل الخصومة، والإنصاف أن العمدة هو الإجماع لو تم ذلك.

وأما في إختلاف الحاكمين في العلم فقد إحتاط سيدنا الماتن (قده) بالرجوع إلى الأعلم، ولكن قد مرّ معنا الإشكال في تقديم الاعلم ههنا لعدم كفاية الادلة فراجع.

واما الصورة الثانية: (لو كان كل منهما مدّعيًا من جهة ومنكر من جهة أخرى). فقد استظهر سيدنا الماتن (قده) في صورة التساوي الرجوع إلى القرعة، وهو الأقوى لكون القرعة لكل أمر مشتبه كما دلت عليه الأدلة في محلها، وهي شاملة للمقام ومنها:

 

-(عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن سيابة، وإبراهيم بن عمر جيمعاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في رجل ـ قال: أوَّل مملوك أملكه فهو حرّ، فورث ثلاثة، قال: يقرع بينهم، فمن أصابه القرعة اعتق، قال: والقرعة سنّة)[3] .

-(عن حمّاد، عن حريز، عن محمّد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يكون له المملوكون، فيوصي بعتق ثلثهم، قال: كان عليٌّ (عليه السلام) يسهم بينهم)[4] .

-(عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن موسى بن عمر، عن عليّ بن عثمان، عن محمّد بن حكيم، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن شيء، فقال لي: كلُّ مجهول ففيه القرعة، قلت له: إنَّ القرعة تخطىء وتصيب، قال: كلّ ما حكم الله به فليس بمخطىء)[5] .

وغيرها من الروايات.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo