< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في صفات القاضي وما يناسب ذلك‌.

 

تابع : مسألة (8): يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه من دون بيّنة أو إقرار أو حلف في حقوق الناس، وكذا في حقوق اللَّه تعالى، بل لا يجوز له الحكم بالبيّنة إذا كانت مخالفة لعلمه، أو إحلاف من يكون كاذباً في نظره. نعم، يجوز له عدم التصدّي للقضاء في هذه الصورة مع عدم التعيّن عليه[1] .

 

ومنها:

صحيح سليمان بن خالد عن مولانا أبي عبد الله (عليه السلام)

(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: في كتاب عليّ (عليه السلام): إنَّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى ربّه، فقال: يا ربّ كيف أقضي فيما لم (أرَ ولم أشهد)؟ قال: فأوحى الله إليه: احكم بينهم بكتابي، وأضفهم إلى اسمي، فحلفهم به، وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة)[2] .

وهذه من أوضح الأدلة على مَن ذهب إلى جواز حكم الحاكم بعلمه، وهي صريحة بأن المرتكز عند النبي (عليه السلام) هو جواز الحكم بعلمه، ومع عدمه فأرشده الله تعالى إلى الأخذ بالبينة والحلف.

ولا يضرُّ الاستدلال بها كونها حصلت الحادثة قبل الإسلام وذلك لإمضائها من مولانا الصادق (عليه السلام) وأنها موجودة في كتاب مولانا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) المشتمل على الاحكام والفرائض.

وغيرها من الروايات العديدة في هذا المقام والتي تشير إلى جواز أن يحكم الحاكم بعلمه وإن لم يكن بالطرق المتعارفة من اليمين والبينة.

_ وأما من استدل بالإجماع كما تقدم في أول البحث، فإننا نلاحظ على ذلك بأنه غير تام، وذلك لوجود المخالف كإبن الجنيد (قده) وابن حمزة في وسيلته والشيخ (قده) في مبسوطه، مضافًا إلى احتمال أن يكون مدركيًا.

ب - وأما المخالفين لجواز حكم الحاكم بعلمه كإبن الجنيد والشيخ (قده) فيمكن الاستدلال على رأيهم بعدة روايات منها:

(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن ابن أبي عمير، (عن سعد، يعني: ابن أبي خلف، عن هشام بن الحكم)، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان، وبعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً، فإنّما قطعت له به قطعة من النار)[3] .

ومنها:

-(عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عمّن رواه، قال: استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه، فان لم يحلف وردّ اليمين على المدّعي (فهي واجبة) عليه أن يحلف، ويأخذ حقّه، فإن أبى أن يحلف فلا شيء له)[4] .

-(عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد ابن محمّد بن عبد الله، عن أبي جميلة، عن (إسماعيل بن أبي اُويس، عن ضمرة بن أبي ضمرة)، عن أبيه، عن جدِّه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنّة ماضية من أئمّة الهدى)[5] .

فهي وإن كانت بظاهرها على الحصر ولكن الواضح أن الحصر ههنا ليس حقيقيًا بل هو من قبيل الغلبة مما هو عليه طرق القضاء وأنه بالبينة واليمين، وأن ذلك مع عدم قيام العلم الذي هو اقوى الحجج وأصلها على الاطلاق.

وذلك لأن البينة غاية ما تفيد الظن وإن كان معتبًرًا ههنا إلا أنه لا يعارض العلم الحسي كما هو واضح.

وإن أبيت إلا الحصر فهو حصر بالنسبة إلى الحجج الخارجية ولا ينافي حجية العلم الحاصل له وإعتباره.

بقي شيئان:

الأول: وهو أن الحكم إذا كان متعلقه حكم الناس وكان متوقفًا على مطالبة مَن له الحق، لا بد من مطالبته، وعليه يُحمل خبر ابن خالد

(عن علي بن محمد، عن محمد بن أحمد المحمودي، عن أبيه، عن يونس، عن الحسين بن خالد، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال: سمعته يقول: الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه، قلت: وكيف ذلك؟ قال: لأن الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام إقامته وإذا كان للناس فهو للناس)[6] .

الثاني: وهو أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بالبينة إذا كانت على خلاف علمه لا سيما إذا كان مستندًا إلى الحس كما لو رأى زيدًا يشرب خمرًا، أو شهد على طلاق هند من زوجها، أو حضر بيع الدار أو شراء السيارة، وما شابه ذلك.

وهذا حتى على من يقول بعدم جواز أن يحكم القاضي بعلمه، وعندئذ يتعين على القاضي أن يترك الحكم في هذه القضية ويحيلها إلى حاكم آخر ويتحول دورُه إلى شاهد من الشهود.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo