< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في صفات القاضي وما يناسب ذلك‌.

مسألة (10): يجوز للحاكم تنفيذ حكم من له أهلية القضاء من غير الفحص عن مستنده، ولا يجوز له الحكم في الواقعة مع عدم العلم بموافقته لرأيه، وهل له الحكم مع العلم به؟ الظاهر أنّه لا أثر لحكمه بعد حكم القاضي الأوّل بحسب الواقعة. وإن كان قد يؤثّر في إجراء الحكم كالتنفيذ فإنّه أيضاً غير مؤثّر في الواقعة وإن يؤثّر في الإجراء أحياناً. ولا فرق في جواز التنفيذ بين كونه حيّاً أو ميّتاً، ولا بين كونه باقياً على الأهلية أم لا؛ بشرط أن لا يكون إمضاؤه موجباً لإغراء الغير بأنّه أهل فعلًا[1] .

مسألة (11): لا يجوز إمضاء الحكم الصادر من غير الأهل؛ سواء كان غير مجتهد أو غير عادل ونحو ذلك؛ وإن علم بكونه موافقاً للقواعد، بل يجب نقضه مع الرفع إليه أو مطلقاً[2] .

هاتان المسألتان تشتركان في موضوع واحد وإحدى المسألتين متممة للأخرى لإستيعاب الموضوع من جوانبه كافة، وهما يدوران مدار الجواز في تنفيذ حكم مَن له أهلية القضاء وعدمه، من جهة، وجواز أن يحكم القاضي الثاني في الواقعة مع عدم العلم بموافقته لرأيه وعدمه من جهة ثانية.

وبعبارة ثانية، هل يجوز للقاضي الثاني أن ينفّذ الحكم على طبق حكم القاضي الأول، أو، لا يجوز؟ من جهة، ومن جهة ثانية هل يجوز للثاني أن يحكم حكمًا إستقلاليًا أو، لا؟

نقول: مما لا شك فيه أنه يجوز للقاضي الثاني أن ينفّذ الحكم الصادر من الاوّل إذا كان ممّن له أهلية القضاء كالإجتهاد والعدالة مثلًا، سواء أكان بفحص عن مستنده أم، لا.

أما جواز أصل التنفيذ فللأصل وعمومات الأدلة الدالة على الحكم بالحق والعدل والقسط

(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)[3] .

وأما عدم لزوم الفحص عن مدركه فلإفتراض صحته وصدوره عن أهله وفي محله.

ومجرد خلاف الثاني لرأي الاوّل فإنه لا ينافي التنفيذ في المقام، حيث ثبت إعتبار أهلية الأول للقضاء.

وأما مع عدم أهليته للقضاء كما لم يكن مجتهدًا أو عادلًا مثلًا، فإنه لا يجوز تنفيذ حكمه لبطلانه، بل يجب نقضه مطلقًا لحرمة العمل برأيه لعدم صلاحيته لذلك.

وعندئذٍ (في صورة الجواز) فلا يُفرّق فيه بين كونه قد مات أو بقي حيًا، وأيضًا بلا فرق بين محافظة القاضي الأول على أهليته للقضاء، أو قد فقد بعض الشرائط المعتبرة فيه كالعدالة مثلًا.

وأما في صورة حكم الحاكم الثاني إستقلالًا فهو مشروط بالعلم بموافقة رأيه للحاكم الأول، وإلا فمع إحتمال المخالفة فضلًا عن العلم بها، فإنه يحرم له الحكم في الواقعة الواحدة، وذلك لما قام من الأدلة التي تقدمت على حرمة نقض حكم الحاكم، وأن الراد عليه كالراد على الله تعالى وهو على حدّ الشرك بالله تعالى.

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك ؟ قال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فانما يأخذ سحتاً، وإن كان حقّاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى :(يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ) قلت: فكيف يصنعان ؟ قال: ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخفَّ بحكم الله، وعليه ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله)[4] .

نعم لا أثر لحكمه بعد حكم الحاكم الأول بحسب ذات الواقعة وإن كان له أثر بالنسبة إلى التنفيذ وذلك لوحدة الواقعة فلا أثر لحكم الحاكم الثاني بالنسبة إلى ذات الحكم بل يحرم له ذلك لأنه نقضٌ له لما تقدم.

هذا ما عليه مشهور الفقهاء (اعلى الله مقامهم) وهو حرمة نقض حكم الحاكم من جهة وعدم النظر به من جهة أخرى، وكما تقدم فقد استدلوا عليه بروايات كثيرة منها:

صحيحة عمر بن حنظلة:

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك ؟ قال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فانما يأخذ سحتاً، وإن كان حقّاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى :﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ﴾ قلت: فكيف يصنعان ؟ قال: ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخفَّ بحكم الله، وعليه ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله)[5] .

وعليه فلا يجوز للمحكوم عليه المطالبة بتجديد المحاكمة واستئنافها عند حاكم آخر أو عند نفس الحاكم كما لا يجوز للحاكم الثاني نقض حكم الحاكم الأول وكما ذهب السيد الأستاذ (الخوئي) (قده) وهو أنه لو جاز نقض حكم الحاكم عند العلم بمخالفته للواقع أو للخطأ في الطريق للزم من ذلك عدم نفوذه غالبًا وبقاء التخاصم فيها إلى الأبد ذلك لعلم كل من المترافعين غالبًا بعدم صدق الآخر أو عدم مطابقته للواقع.

نعم استثنى الفقهاء حالة ما لو كان القاضي الاوّل فاقدًا لأهلية القضاء كالاجتهاد أو العدالة مثلًا كما تقدم، أو كما ثبت قطعًا من الكتاب والسنة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo