< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/07/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في شروط سماع الدعوى‌.

القول: في شروط سماع الدعوى‌

وليعلم أنّ تشخيص المدّعي والمنكر عرفي كسائر الموضوعات العرفية، وليس للشارع الأقدس اصطلاح خاصّ فيهما. وقد عُرّف بتعاريف متقاربة، والتعاريف جلّها مربوطة بتشخيص المورد، كقولهم: إنّه من لو ترك ترك، أو يدّعي خلاف الأصل، أو من يكون في مقام إثبات أمر على غيره. والأولى الإيكال إلى العُرف. وقد يختلف المدّعي والمنكر عرفاً بحسب طرح الدعوى ومصبّها، وقد يكون من قبيل التداعي بحسب المصبّ[1] .

هذه القضية قد تعرضنا بالحديث عنها في المسألة (5) من (القول في صفات القاضي وما يناسب ذلك) بشكل مفصل وقلنا بأنه لا بد من تشخيص من هو المدّعي ومن هو المنكر في حال ما لو كانا متمحضين من هذه الجهة، بأن كان المدّعي مدعيًا فقط، والمنكر منكرًا كذلك، وقد اختار كل واحد منهما حاكمًا مختلفًا عن خصمه لرفع النزاع بينهما.

فقد اختلف الأعلام (اعلى الله مقامهم) ظاهرًا في تعريف كل من المدّعي والمنكر، فقد ذهب بعضهم إلى التعريف الآتي:

أ – المدّعي: من لو ترك تُرك، وهذا بخلاف المنكر فإنه لو ترك لا يُترك، وذلك لكون المدّعي يطلب حقًا من غيره، فلو ترك المطالبة بما يعتقد أنه حقًه فإنه يُترك ولا شيء عليه، بخلاف المنكر فإنه لا يُترك لو ترك لأنه مطالبٌ بشيء ما من المدّعي، ولا يُترك إلا بدحض دعوى المدّعي.

ب - وذهب بعضهم إلى التعريف الآتي:

المدّعي: مَن كان قوله مخالفًا للأصل (أعم من الأصول العملية أو الشرعية) والمنكر هو من كان قوله موافقًا للأصل.

كما لو تنازعا في دَين يدعيه زيد على عمرو وينكره الأخير فالأصل العملي (البراءة) يوافق قول المنكر فهو بريء الذمة لإستصحاب عدم إشتغال ذمة عمرو بدَيّن لزيد.

ج – وبعضهم ذهب إلى التعريف بأن:

المدّعي: هو مَن كان قوله مخالفًا للظاهر، والمنكر مَن وافق قوله الظاهر.

وعند التأمل نجد أن هذا التعريف إما مردّه إلى التعريف الثاني (المدّعي من خالف قوله الأصل)، أو أنه غير واضح.

وذلك لأن الظاهر إن كان المراد منه ظاهر الحال المعتبر شرعًا كاليد مثلًا فإنه يدخل تحت مصاديق التعريف الثاني لشموله للظاهر المعتبر شرعًا، وإن أريد منه ظاهر الحال غير المعتبر شرعًا ولا عقلًا لإثبات الواقع، فإنه لا إعتبار فيه، فلا يكون معيارًا لتمايز المدّعي من المنكر وهناك تعريفات أخرى أعرضنا عن ذكرها لعدم إعتبارها أو لرجوعها إلى أحد التعريفين الأولين.

وعلى أي حال، فالحق يُقال أن المراد من التعريفات السابقة إنما هي لشرح المفهوم وتبيان المصاديق وليست لغرض تبيان المعنى اللغوي والعرفي للفظ المدّعي والمنكر فإنهما واضحان من خلال معرفة مجريات الأمور وسياق الدعوى. خاصة فيما لو صار المدّعي منكر أيضًا والمنكر صار مدعيًا كذلك، كما لو ادعى زيد بدَين له في ذمة عمرو، وأقرّ عمرو به ولكنه ادعى الوفاء به وأنكره زيد مثلًا.

وعليه فلا باس بالقول بان التداعي يتحقق بحسب طرح الدعوى ومضيها فيما لو لم يكن كل من المدعي والمنكر مشخصًا بشكل واضح وذلك لانه ليس للشارع إصطلاح خاص فيهما، لإعتبار ان الدعاوى والخصومات بين الناس ومن ثم التقاضي كان قبل الاسلام فجاء الاسلام وامضى واقرّ بعضها وصوّب البعض الاخر، فلا يؤخذ مفهومها من الشارع. فإنهما ليسا من الحقيقة الشرعية ولا الموضوعات المستنبطة حتى يُرجع بها الى الشارع أو الفقهاء، بل هي من العرفيات المعمول عليها بين الناس.

وعليه فالمرجع في ذلك هو العرف وعليه المعوّل وهذا ما ذهب اليه بعض الفقهاء (اعلى الله مقامهم) ومنهم صاحب الجواهر (قده) ولا ثمرة علمية بل ولا عملية معتنى بها في نقل التعاريف وتزيّفها.

كما استدل بعضهم على تقديم قول المدّعي، لأنه لو تَرك تُرك ولكنه كما ترى، فإنّ فيه ما فيه، وأنه أول الكلام، وذلك لتوقفه على ثبوت الدعوى، وهي لا تثبت إلا بعد فصل الخصومة، والإنصاف أن العمدة هو الإجماع لو تم ذلك.

 

مسألة(1): يشترط في سماع دعوى المدّعي امور: بعضها مربوط بالمدّعي، وبعضها بالدعوى، وبعضها بالمدّعى عليه، وبعضها بالمدّعى به:

الأوّل: البلوغ، فلا تسمع من الطفل ولو كان مراهقاً. نعم، لو رفع الطفل المميّز ظلامته إلى القاضي فإن كان له وليّ أحضره لطرح الدعوى، وإلّا فأحضر المدّعى‌ عليه ولاية، أو نصب قيّماً له، أو وكّل وكيلًا في الدعوى، أو تكفّل بنفسه وأحلف المنكر لو لم تكن بيّنة. ولو ردّ الحلف فلا أثر لحلف الصغير. ولو علم الوكيل أو الوليّ صحّة دعواه جاز لهما الحلف[2] .

 

ذهب المشهور من الفقهاء (اعلى الله مقامهم) إلى اشتراط البلوغ في سماع دعوى المدّعي، وفرّعوا على ذلك بعدم سماع الدعوى من غير البالغ حتى ولو كان مراهقًا ممّيزًا لإشتراطهم البلوغ في ذلك.

ويمكن الاستدلال على هذا الشرط بعدة أدلة:

أولًا: بالأخبار والروايات الواردة في المقام من قبيل:

-(عن الحسن بن محمد السكوني، عن الحضرمي، عن ابراهيم بن أبي معاوية، عن أبيه، عن الأعمش، عن ابن ظبيان قال: أتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال علي (عليه‌ السلام): أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ؟!

عبدالله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن علي بن السندي، عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم‌السلام أنه كان يقول في المجنون، والمعتوه الذي لا يفيق، والصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطاء تحمله العاقلة، وقد رفع عنهما القلم)[3] .

-(عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال: عمد الصبي وخطاه واحد)[4] .

-(عن محمد بن الحسن الصفار، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه، أن عليا (عليه‌ السلام) كان يقول: عمد الصبيان خطأ (يحمل على) العاقلة)[5] .

ثانيًا: الاجماع وقد ادعاه صاحب رياض المسائل[6] حيث قال:

(ويشترط فيه) أي في المدعي (التكليف) بالبلوغ وكمال العقل (وأن يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه) بأن يكون وكيلا أو وصيا أو وليا أو حاكما أو أمينه، فلو ادعى الصغير أو المجنون أو من لا ولاية له عليه لم تسمع دعواه، بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، وبه صرح بعض الأجلة. وهو الحجة

ثالثًا: التبادر، حيث أن المتبادر من الأدلة هو البالغ العاقل.

رابعًا: كونه مسلوب العبارة.

خامسًا: أصالة عدم ترتب الأثر على دعوى الصبي مطلقًا، من وجوب السماع، وقبول البينة وبالاقرار وغيرها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo