< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في شروط سماع الدعوى‌.

الثالث: عدم الحجر لسفه إذا استلزم منها التصرّف المالي. وأمّا السفيه قبل الحجر فتسمع دعواه مطلقاً[1] .

لا خلاف بينهم أعلى الله مقامهم في سماع دعوى السفيه قبل الحجر فإن السفاهة ههنا متعلقها التصرفات المالية، وليس لها دخالة في المنع من سماع دعواه فإن تصرفاته النافعة والمفيدة لشأنه نافذة بلا خلاف فالمقتضى موجود والمانع مفقود.

نعم التفصيل بين السفيه قبل الحجر وبعده، إنما مرجعه ممنوعية التصرف بأمواله ليس إلاّ، لإفتراض كونه محجورًا عليه في أمواله، فلا تسمع دعواه فيما حُجر عليه، دون غيرها من الدواعي لإطلاق أدلة سماع الدعوى وعدم المقيد في المقام.

الرابع: أن لا يكون أجنبيّاً عن الدعوى، فلو ادّعى بدين شخص أجنبيّ على الآخر لم تسمع. فلا بدّ فيه من نحو تعلّق به كالولاية والوكالة، أو كان المورد متعلّق حقّ له[2] .

ذهب المشهور شهرة عظيمة بل المتتّبع لأقوال الفقهاء يكاد لا يجد مخالفًا لهذا الشرط وتصوير المسألة بأن يدّعي شخص بدين لشخص أجنبي على الآخر، والحال أن المدّعي ليس له أي وجه من وجوه الصلة بهذه الدعوى لا من قريب ولا من بعيد، لدفع ضرر عنه أو جلب منفعة له، فقال الأعلام (اعلى الله مقامهم) بعدم جواز إستماع القاضي لهذه الدعوى.

واستدلوا على ذلك:

أولًا: بدعوى إنصراف العمومات الدالة على وجوب الفصل بين المتخاصمين والحكم بالحق والعدل والقسط عند صورة ما إذا كان المدّعي أجنبيًا عن الدعوى، وهذا الإنصراف يكفي في منع شمول العمومات عن الاجنبي.

ثانيًا: لأصالة عدم ترتب الأثر، حيث أن لكل قضية أثر لا بد من أن تترتب عليها، كما هنا في دعوى الأجنبي فإنه لا أثر يترتب على دعواه على شخص بحق الآخر والحال أنه لا يدفع بذلك عن نفسه ضرًا ولا يجلب لنفسه نفعًا.

ويمكن مناقشة الأول والثاني فإن الإنصراف لا بد له من حيثية صارفة لعموم الدليل لكي يكون الإنصراف تامًا ومقيدًا للعموم، وما ذكروه للإنصراف بمحض كون المدّعي أجنبيًا لا يكفي لذلك، لأن المدّعي قد يكون الداعي لرفع دعواه إنما لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولرفع المظلومية عن الآخرين، ومنه يعلم وجود الأثر لهذا الإدعاء.

نعم يمكن الإستدلال على عدم سماع دعوى الأجنبي بقيام سيرة المتشرعة وسيرة العقلاء حيث جرت سيرتهم على عدم قبول دعوى الأجنبي إلا إذا كان وكيلًا عن موكله، أو وصيًا، أو وليًا عن الصبيان والمجانين مثلًا، وهكذا فيما لو كان تحت يده أمانة أو رهانة أو إعارة لكون هذه الأمور هي من متعلقات حقه، وتكون هذه السيرة في المقام بمثابة القرينة المتصلة التي تمنع من إنعقاد شمول الدليل لكافة الافراد فيما دل على وجوب الفصل بين المتخاصمين والحكم بالحق والعدل والقسط بين المتنازعين، ولذلك نرى أن ديدن العقلاء جرى في المحاكم الشرعية والوضعية على توكيل أشخاص ليس لهم صلة بالدعوى المقامة، بل لا يقبلون الإدعاء من أحد أصلًا إلا أن يكون أصيلًا عن نفسه أو وكيلًا عن غيره، أو كان وليًا أو وصيًا على الأطفال والقصّر.

وعلى أي حال، فمن ذهب إلى منع الإنصراف عن الأجنبي فإنه إستثنى حالة ما لو كانت دعوى المدّعي في الدعاوى الحسبية، فإنها تُقبل دعواه، كما لو إدعى شخص بدين على ميّت ترك أطفالًا قُصّر، وكان الأجنبي يعلم بأن الميت قد أداه له وأبرأ ذمته من دينه وعنده البيّنة على ذلك، وعليه فهو يعلم بكذب المدّعي على الميت، فرأى من الواجب عليه أن يرفع الظلم عن الميت وعن أطفاله بالتبع، لا أقل من باب النهي عن المنكر، فإنه تسمع دعواه عندئذ فإن هذا كافٍ في الإنصراف عن العمومات في المقام، والقضية هذه إنما هي من باب المثال وعليه تجري كل القضايا المتعلقة بهذه الحيثية المذكورة أعلاه، كما لو إدعى شخص باطلًا على صديقه الغائب غيبة منقطعة لا يتيّسر إستعلام حاله والحال أن الأجنبي يعلم براءته وكذب المدعي لوجود البينة على ذلك، فتسمع دعوا بلا خلاف.

وذلك لأن الحيثية في الإنصراف إنما هي في كون هذه القضايا الحسبية هي من وظيفة الحاكم الشرعي الذي يقوم مقامه عدول المؤمنين في حفظ أموال ونفوس الايتام والقصّر حيث أنهم لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم واموالهم بالطرق المتبعة شرعًا أو عقلًا، خصوصًا فيما لو أدى ذلك إلى إلحاق الضرر بالأيتام والغائبين وعدم المكنة من رفع ذلك عنهم ولو بعد حين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo