< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/08/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في شروط سماع الدعوى‌.

السادس: أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق، كأن ادّعى أنّ لي عنده شيئاً؛ للتردّد بين كونه ممّا تسمع فيه الدعوى أم‌ لا. وأمّا لو قال: «إنّ لي عنده فرساً أو دابّة أو ثوباً» فالظاهر أنّه تسمع، فبعد الحكم بثبوتها يطالب المدّعى عليه بالتفسير، فإن فسّر ولم يصدّقه المدّعي فهو دعوى اخرى، وإن لم يفسّر لجهالته -مثلًا- فإن كان المدّعى به بين أشياء محدودة يقرع على الأقوى. وإن أقرّ بالتلف ولم ينازعه الطرف فإن اتّفقا في القيمة، وإلّا ففي الزيادة دعوى اخرى مسموعة[1] .

ذهب سيدنا الماتن (قده) إلى إشتراط كون المدّعى به معلومًا بوجه، وحكم بعدم سماع دعوى المجهول مطلقًا، تبعًا لأكثر المتقدمين من الأعلام (اعلى الله مقامهم) كالشيخ في مبسوطه[2] حيث قال: (فإذا ثبت هذا فمتى حضر قيل له ادع الآن، فإذا ادعى عليه لم تسمع الدعوى إلا محررة)

وأبي الصلاح في الكافي في الفقه[3] حيث قال: وان ادعى أحدهما شيئا مجهولا قال له حقق دعواك فان فعل والا أقامهما وان كان متميزا أقبل الحاكم على خصمه وقال له ما تقول في دعواه؟ فإن فإن أقربها اعتبر حاله فان كان حرا عاقلا مختارا للإقرار ألزمه الخروج الى خصمه مما أقربه، فإن امتنع أمره بملازمته، وان سام حبسه حبسه وان سام إثبات اسمه في ديوان حكمه لم يجز له ذلك الا أن يكون عارفا بالمقر بعينه واسمه ونسبه أو يشهد بذلك عنده شاهدا عدل، وان كان المقر عبدا أو أمة أو مئوف العقل أو صغيرا أو سفيها أو مكرها على الإقرار لم يعتد بإقراره)،

وابن حمزة في الوسيلة[4] حيث قال: (ولا يجوز سماع الدعوى غير محررة، إلا في الوصية. وإنما تتحرر الدعوى في الدين بثلاثة أشياء على الحي، وبستة أشياء على الميت)

وابن زهرة في غنية النزوع[5] حيث قال: (وينبغي له أن يسوي بين الخصمين في المجلس واللحظ والإشارة، ولا يبدأهما بخطاب إلا أن يطيلا الصمت، فحينئذ يقول لهما: إن كنتما حضرتما لأمر فاذكراه، فإن أمسكا أقامهما، وإن ادعى أحدهما على الآخر لم تسمع دعواه إلا أن تكون مستندة إلى علم، مثل أن يقول: أستحق عليه، أو ما أفاد هذا المعنى، ولو قال: أدعي عليه كذا، أو أتهمه بكذا، لم يصح، وأن يكون ما ادعاه معلوما متميزا بنفسه أو بقيمته، فلو قال: أستحق عليه دارا أو ثوبا، لم يصح للجهالة).

وإبن ادريس في السرائر[6] حيث قال: (فإذا ادّعى عليه، لم يسمع الدعوى إلا محررة)، والعلامة في التحرير[7] حيث قال: (ولا بدّ من صحة الدعوى فلو ادعى أنّ له عليه شيئا لم تسمع ولو قال وهب منّي لم يسمع حتّى يدعي القبض)،

وفي التذكرة[8] حيث قال: (وبخلاف الدعوى فإنها لا تسمع الا محررة لكون الدعوى له والاقرار عليه فيلزمه مع الجهالة دون ماله ولان المدعي إذا لم يحرر دعواه انتفى داعيه مع أن له داعيا إلى تحريرها) ،

والشهيد الأول في الدروس[9] حيث قال: (ولا تسمع الدعوى المجهولة كشي‌ء أو ثوب، بل يضبط المثلي بصفاته، والقيمي بقيمته، والأثمان بجنسها ونوعها وقدرها، وإن كان البيع وشبهه ينصرف إطلاقه إلى نقد البلد؛ لأنّه إيجاب في الحال، وهو غير مختلف).

وربما إستدلوا على عدم سماع الدعوى المجهولة مطلقًا للتردد بين كونها مما تسمع فيه الدعوى أو، لا تسمع.

والظاهر أن منشأ التردد بذلك لإحتمال أن لا يكون الشيء المدعى به مما له مالية، أو أن يكون مما لا يملك كالكلب مثلًا.

ولكن يمكن المناقشة بذلك فنقول:

تارة تكون المجهولية مطلقًا وأخرى تكون الجهالة بوجه في قبال أن تكون معلومة بوجه كما في المثال المضروب وهو أن يدّعي بأن له عند فلان (المدّعى عليه) شيئًا إما فرس أو دابة أو ثوبًا.

فأما أولًا في صورة المجهول المطلق كأن يدعى على فلان بإعطائه شيئًا من راحلته وما تحت حوزته أو إدعى بأن له عليه حقًا من الحقوق ولكنه لا يدري ما هو، فإن أقام البينة على ثبوت الحق بالجملة وإن كان مجهولًا في مصاديقه المتعددة بالكثرة أو أقرّ المدعى عليه بذلك فإن دعواه تسمع على الأقوى وذلك لعدم إعتبار المالية ولا الملكية في المدعى به وذلك للعمومات الدالة على لزوم الحكم بالقسط والحق والعدل وللإحتياط في أموال الناس وحقوقها، من الضياع، فيطالب المدعى عليه عندئذ بالتفسير فإن أعطاه شيئًا يُقبل منه، فإن إدعى المدّعي بالزائد حلف المدّعى عليه بنفي الزائد، وأما إن جهل المدعّى عليه الشيء المدّعى به بعد إقراره بثبوت شيء في ذمته، فالاقوى إلزامه بدفع ما يمكن أن يكون من القدر المتيقن وهو أقل المطلوب.

وإن أنكر المدّعى عليه دعوى المدّعي بأي وجه من الوجوه، أو لعدم قيام البينة على ذلك فتردُّ الدعوى عندئذ، لعدم إحراز كونها دعوى توجب قضاء.

وأما الصورة الثانية كما لو كان للدعوى مجهولية نسبية لا مطلقًا، كما لو إدعى على شخص بأن له عنده شيئًا يدور بين مصاديق منحصرة كدابة أو ثوبًا أو كتابًا، فإنها تسمع بطريق أولى لما تقدم من دليل العمومات وعدم ضياع الحقوق، ويلزم المدعى عليه بالتفسير عندئذ فإن فسّر المدعى عليه وأعطاه إياه ولم يقبل به المدّعي فإنه يُقرع بينها لشمول دليل القرعة لمثل المورد.

نعم لو أقرّ المدّعى عليه بالتلف ولم ينازعه المدّعي فإن عليه أن يدفع القيمة فيما لو تراضيا عليها، وإلا مع الاختلاف في الزيادة أو النقيصة يكون القدر المتيقن هو الأقل وبالنسبة إلى الزيادة تكون دعوى أخرى مسموعة، لتوفر شرائط صحة الدعوى وسماعها، لكونها ممّا يترتب عليها الغرض الصحيح عقلائيًا فتشملها الاطلاقات والعمومات بلا إشكال في المقام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo