< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في شروط سماع الدعوى‌.

السابع: أن يكون للمدّعي طرف يدّعي عليه، فلو ادّعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فعلًا لم تسمع، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدعوى المحتملة، فإنّ هذه الدعوى غير مسموعة. ولو حكم الحاكم بعد سماعها؛ فإن كان حكمه من قبيل الفتوى -كأن حكم بصحّة الوقف الكذائي، أو البيع الكذائي- فلا أثر له في قطع المنازعة لو فرض وقوعها. وإن كان من قبيل أنّ لفلان على فلان ديناً بعد عدم النزاع بينهما، فهذا ليس حكماً يترتّب عليه الفصل وحرمة النقض، بل من قبيل الشهادة، فإن رفع الأمر إلى قاضٍ آخر يسمع دعواه، ويكون ذلك الحاكم من قبيل أحد الشهود، ولو رفع الأمر إليه وبقي على علمه بالواقعة، له الحكم على طبق علمه[1] .

إنه من الواضح أن الدعوى لا تتحقق إلا في حال وجود طرفٍ للمدّعي في دعواه، ولا تسمع دعوى إن لم يكن هناك شخص يُدّعى عليه، فإن حقيقة الدعوى من شأنها أن ترفع النزاع القائم بين المتخاصمين وتفض الخصومة فيما بينهما.

وإلا فلو رفع شخص دعوى إفتراضية وحكم له الحاكم بعد سماعها منه، فإن ذلك إما أن يكون من قبيل الفتوى وعندئذٍ لا أثر له في قطع المنازعة لو فٌرض تحققها لاحقًا، كما لو إدعى بقضية عن عملية البيع الكذائي وما شابه من قضايا يمكن للمكلف أن تطرأ عليه في حياته مع الآخرين.

وإما أن تكون من قبيل الشهادة لصالح المدّعي الإفتراضي، كما لو حكم له الحاكم أن له على فلان دينًا مثلًا بعد عدم وجود النزاع بين الطرفين وكذلك الحال ههنا، فلا يكون حكمًا يترتب عليه فضُّ الخصومة ورفع النزاع بينهما، ولكن إن تحقق النزاع لاحقًا ورفع الأمر إلى قاضٍ آخر تسمع دعواه ويكون حكم ذلك الحاكم من قبيل شهادة أحد الشاهدين، نعم إذا رفع الأمر بعده إلى نفسه، فإن كان عالماً بالواقعة فعلًا فله الحكم على طبق علمه، وإلا يستأنف كما لا يخفى.

 

الثامن: الجزم في الدعوى في الجملة. والتفصيل: أنّه لا إشكال في سماع الدعوى إذا أوردها جزماً، وأمّا لو ادّعى ظنّاً أو احتمالًا، ففي سماعها مطلقاً، أو عدمه مطلقاً، أو التفصيل بين موارد التهمة وعدمها؛ بالسماع في الأوّل، أو التفصيل بين ما يتعسّر الاطّلاع عليه كالسرقة وغيره، فتسمع في الأوّل، أو التفصيل بين ما يتعارف الخصومة به -كما لو وجد الوصيّ أو الوارث سنداً أو دفتراً فيه ذلك، أو شهد به من لا يوثق به- وبين غيره، فتسمع في الأوّل، أو التفصيل بين موارد التهمة وما يتعارف الخصومة به وبين غيرهما، فتسمع فيهما، وجوه، الأوجه الأخير. فحينئذٍ لو أقرّ المدّعى عليه أو قامت البيّنة فهو، وإن حلف المدّعى عليه سقطت الدعوى، ولو ردّ اليمين لا يجوز للمدّعي الحلف، فتتوقّف الدعوى، فلو ادّعى بعده جزماً أو عثر على بيّنة ورجع إلى الدعوى تُسمع منه[2] .

 

لا خلاف بين الأعلام (اعلى الله مقامهم) في سماع الدعوى إذا كانت جازمة لا يعتريها الشك والإحتمال، ولكنهم إختلفوا في كون الجزم في الدعوى من شرائط سماعها أو، لا، فالمشهور ذهب إلى الإشتراط، وقال بعدم سماع الدعوى إذا كانت ظنية وإحتمالية، وذهب فريقٌ آخر إلى عدم الإشتراط مطلقًا، فتسمع الدعوى وإن كانت إحتمالية مع توفر اركان من المدِّعي والمدَّعى عليه والأثر الصحيح المترتب على الدعوى، وقال فريق ثالث بالتفصيل بين كوم المدّعى عليه مُتَّهمًا أو، لا، فتسمع في التهمة دون عدمها ولهذا القول موارد عديدة ذكرها سيدنا الماتن (قده) في متن المسألة، وهناك أقوال أُخر كالتفصيل بين ما يَعسُر الإطلاع عليه وعدمه وغيرها من التفصيلات.

وإنما القولان الأولان هما المحور عمومًا في محل النزاع في المسألة، وعلى أي حال، فقد استدل المشهور على اشتراط الجزم في الدعوى:

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo