< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في شروط سماع الدعوى‌.

تابع: الثامن: الجزم في الدعوى في الجملة. والتفصيل: أنّه لا إشكال في سماع الدعوى إذا أوردها جزماً، وأمّا لو ادّعى ظنّاً أو احتمالًا، ففي سماعها مطلقاً، أو عدمه مطلقاً، أو التفصيل بين موارد التهمة وعدمها؛ بالسماع في الأوّل، أو التفصيل بين ما يتعسّر الاطّلاع عليه كالسرقة وغيره، فتسمع في الأوّل، أو التفصيل بين ما يتعارف الخصومة به -كما لو وجد الوصيّ أو الوارث سنداً أو دفتراً فيه ذلك، أو شهد به من لا يوثق به- وبين غيره، فتسمع في الأوّل، أو التفصيل بين موارد التهمة وما يتعارف الخصومة به وبين غيرهما، فتسمع فيهما، وجوه، الأوجه الأخير. فحينئذٍ لو أقرّ المدّعى عليه أو قامت البيّنة فهو، وإن حلف المدّعى عليه سقطت الدعوى، ولو ردّ اليمين لا يجوز للمدّعي الحلف، فتتوقّف الدعوى، فلو ادّعى بعده جزماً أو عثر على بيّنة ورجع إلى الدعوى تُسمع منه[1] .

وإنما القولان الأولان هما المحور عمومًا في محل النزاع في المسألة، وعلى أي حال، فقد استدل المشهور على اشتراط الجزم في الدعوى:

أولًا: بأصالة عدم وجوب ترتب الآثار، ولأصالة عدم وجوب السماع.

ويرد عليه، بأن الأصول محكومة بالعمومات والإطلاقات ومع وجودها كما تقدم فلا مجال لجريان الأصل العملي.

ثانيًا: لأن المنساق من الدعاوي أن تكون جازمة.

ويرد عليه: بأن الإنسياق بعد التسليم به فإنه ناظرٌ إلى المصداق الأعم الأغلب من الدعاوى، وإلا فإن الكثير من الدعاوى المنظور إليها كعنوان من عناوين المخاصمة والمنازعة دلت بعض النصوص على سماعها وإن لم تكن مختصة بالجازمية.

كما في صحيحة عمر بن حنظلة:

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فانما يأخذ سحتاً، وإن كان حقّاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى :﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ﴾ قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخفَّ بحكم الله، وعليه ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله)[2] .

ثالثًا: بأن الدعوى الظنية أو الإحتمالية لو سمعت فإنه يلزم منها الضرر على المدّعى عليه لجهة إلزامه إما بالاقرار أو بالحلف وإلا فالتعزير.

ويرد عليه: بأنه لا وجه للضرر ههنا كل ذلك من مقتضيات طبيعة التقاضي الحاصل بين المتخاصمين على حد سواء، فإن قلنا بالضرر على المدعى عليه فيما لو كانت دعوى المدّعي ظنية، فعدم السماع يشكل ضررًا على المدّعي فيما لو لم نقل بسماعها، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

وأما مسألة التعزير فهي أول الكلام بل منعه هو المتوجه، غاية ما في الأمر أنه مع رفض المدعى عليه بالإقرار والحلف يحكم عليه بالنكول دون أي شيء آخر، ومع عدم تمامية الدليل على اشتراط الجزم في سماع الدعوى، فالاقوى جواز سماعها وإن كانت ظنية بل إحتمالية شريطة أن تكون مما يصدق عليها عنوان الدعوى لوجود المدّعي والمدعى عليه والأثر الصحيح المترتب عليها ويمكن الإستدلال على ذلك:

أولًا: للأخبار الواردة على جواز إستماع الدعاوى عند رفع القضايا إلى الحاكم بمجرد الاتهام بلا فرق بين كون المدّعي جازمًا بذلك أو،لا. منها:

-(عن أحمد بن محمّد، عن العبّاس بن موسى، عن يونس مولى علي بن يقطين، عن ابن مسكان، عن أبي بصير ـ يعني المرادي ـ، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: لا يضمن الصائغ ولا القصّار ولا الحائك إلاّ أن يكونوا متّهمين فيخوف بالبيّنة ويستحلف لعلّه يستخرج منه شيئاً. وفي رجل استأجر جمّالاً فيكسر الذي يحمل أو يهريقه، فقال: على نحو من العامل إن كان مأموناً فليس عليه شيء، وإن كان غير مأمون فهو ضامن)[3] .

وصحيحة ابن عمار:

-(عن حماد بن عيسى وابن أبي عمير، عن معاوية ابن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: سألته عن الصبّاغ والقصّار؟ فقال: ليس يضمنان)[4] .

-(عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن ابن رباط، عن منصور بن حازم، عن بكر بن حبيب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه‌ السلام): أعطيت جبة إلى القصّار فذهبت بزعمه، قال: إن اتّهمته فاستحلفه، وإن لم تتّهمه فليس عليه شيء)[5] .

ثانيًا: لبناء العقلاء على جريان تقبل الدعاوى الاتهامية ولو لم تكن جازمة، وهو ديدن المحاكم الشرعية بل والمدنية في سماع دعاوى المراجعين لموقع القضاء وإن لم يكونوا جازمين في دعاواهم سوى ما يصحبونه من بعض القرائن الظنية والوثائق غير القطعية كما في الاتهامات الزوجية والعقارية وغير ذلك.

وعليه فالأقوى جعل هذه القضية من المسائل وليست من الشروط.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo