< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/10/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في شروط سماع الدعوى‌.

التاسع: تعيين المدّعى عليه، فلو ادّعى على أحد الشخصين أو الأشخاص المحصورين لم تسمع على قول، والظاهر سماعها؛ لعدم خلوّها عن الفائدة؛ لإمكان إقرار أحدهما لدى المخاصمة، بل لو اقيمت البيّنة على كون أحدهما مديوناً- مثلًا- فحكم الحاكم بأنّ الدين على أحدهما، فثبت بعد براءة أحدهما، يحكم بمديونية الآخر، بل لا يبعد بعد الحكم الرجوع إلى القرعة، فيفرّق بين ما علما أو علم أحدهما باشتغال ذمّة أحدهما فلا تأثير فيه، وبين حكم الحاكم لفصل الخصومة، فيقال بالاقتراع[1] .

تصوير المسألة بأن يدّعي شخص على أحد الشخصين أو الأشخاص المحصورين وقال: (لي ألف درهم على زيد وعلى عمرو)، أو قال: (غصب دابتي أحدُ هذين الشخصين) مثلًا.

فذهب بعضهم الى عدم سماع دعواه واستدل على ذلك بالآتي:

أولًا: عدم الفائدة منها حتى مع قيام البينة لأنه لا أثر لها.

ثانيًا: لإمكان جريان الأصل بكل واحد من المدّعى عليهما.

ويمكن النقاش في كلٍ من الأمرين

أما عدم الفائدة، فيرد عليه بأنها متوقعة فيما لو أحسن القاضي إدارة الدعوى بحنكته ومهارته لمعرفة أيهما المدّعى عليه من الآخر، ولو بإستعمال أسلوب التخويف والتهديد، وهذا ما جرى في قضاء مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) في قضية الشاب الذي سافر اباه مع قوم فقتلوه وسرقوه:

-(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ إنَّ شابّاً قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): إنَّ هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في السفر، فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله، فقالوا: ما ترك مالاً، فقدَّمتهم إلى شريح، فاستحلفهم، وقد علمت أنَّ أبي خرج ومعه مال كثير، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): والله لأحكمنَّ بينهم بحكم ما حكم به خلق قبلي إلاّ داود النبي (عليه السلام)، يا قنبر ادع لي شرطة الخميس، فدعاهم، فوكل بكلّ رجل منهم رجلاً من الشرطة، ثمَّ نظر إلى وجوههم، فقال: ماذا تقولون؟ تقولون: إنّي لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى؟! إنّي إذاً لجاهل، ثمَّ قال: فرّقوهم وغطّوا رؤوسهم، قال: ففرّق بينهم، واُقيم كلّ رجل منهم إلى اسطوانة من أساطين المسجد ورؤوسهم مغطّاة بثيابهم، ثمّ دعا بعبيد الله بن أبي رافع كاتبه، فقال: هات صحيفة ودواة، وجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) في مجلس القضاء، وجلس الناس إليه، فقال لهم: إذا أنا كبّرت فكبّروا، ثمّ قال للناس: اخرجوا، ثمّ دعا بواحد منهم، فأجلسه بين يديه، وكشف عن وجهه، ثمَّ قال لعبيد الله: اكتب إقراره وما يقول، ثمَّ أقبل عليه بالسؤال، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): في أيّ يوم خرجتم من منازلكم، وأبو هذا الفتى معكم؟ فقال الرجل: في يوم كذا وكذا، فقال: وفي أيّ شهر؟ فقال: في شهر كذا وكذا، قال: في أيِّ سنة؟ فقال: في سنة كذا وكذا، فقال: وإلى اين بلغتم في سفركم حتّى مات أبو هذا الفتى؟ قال: إلى موضع كذا وكذا، قال: وفي منزل من مات؟ قال: في منزل فلان بن فلان، قال: وما كان مرضه؟ قال: كذا وكذا قال: وكم يوماً مرض؟ قال: كذا وكذا، قال: ففي أيِّ يوم مات؟ ومن غسّله؟ ومن كفّنه؟ وبما كفّنتموه؟ ومن صلّى عليه؟ ومن نزل قبره؟ فلمّا سأله عن جميع ما يريد، كبّر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكبّر الناس جميعاً، فارتاب اُولئك الباقون، ولم يشكوا أنَّ صاحبهم قد أقرّ عليهم وعلى نفسه، فأمر أن يغطّى رأسه وينطلق به إلى السجن، ثمَّ دعا بآخر فأجلسه بين يديه، وكشف عن وجهه، وقال: كلا زعمتم أنّي لا أعلم ما صنعتم؟! فقال: يا أمير المؤمنين، ما أنا إلاّ واحد من القوم، ولقد كنت كارهاً لقتله فأقرّ، ثمَّ دعا بواحد بعد واحد كلّهم يقرّ بالقتل وأخذ المال، ثمَّ ردَّ الذي كان أمر به إلى السجن فأقرّ أيضاً، فألزمهم المال والدم، ثمَّ ذكر حكم داود (عليه السلام) بمثل ذلك ـ إلى أن قال: ـ ثمَّ إنَّ الفتى والقوم اختلفوا في مال أبي الفتى كم كان، فأخذ عليٌّ (عليه السلام) خاتمه وجمع خواتيم من عنده، قال: أجيلوا هذه السهام، فأيّكم أخرج خاتمي، فهو صادق في دعواه، لأنّه سهم الله عزَّ وجلَّ، وهو لا يخيب)[2] [3] .

وغيره.

وهذا يمكن الاستفادة منه لبيان الحق، أو لإقرارهما أو أحدهما بذلك، كما أنه يمكن أن تُقام البينة على احدهما فتثبت براءة الآخر ومع قيام البينة على ان احدهما هو المدّعى عليه لا على نحو التعيين فإن الأمر يؤول إلى التقسيط بأن يوزع المال كما في المثال أو اللجوء إلى القرعة حيث أنها لكل أمر مشكل.

نعم هناك فرق بين صورة العلم المذكورة في المتن وبين حكم الحاكم، وذلك لعدم الأثر للعلم الإجمالي بعد كونه بين مكلفين، لأن كل واحد منهما يمكن له ان يجري أصالة البراءة بالإضافة إلى نفسه، ولا تكون أصالة البراءة في مكلف معارضة بأصالة البراءة في آخر كواجدي المني في الثوب المشترك بين إثنين مرتبطين بالثوب.

وأما الحاكم في مقام فصل الخصومة إذا حكم بأن أحد المدعى عليهما مديون بمقتضى الموازين الشرعية فاللازم إخراج المديون الواقعي بالقرعة بعد إرتباط كليهما به على حدٍّ سواء كما هو واضح.

وأما جريان الأصل فهو ممنوع ههنا وذلك لعمومات الأدلة على وجوب إقامة الحق والعدل، وإرجاع كل ذي حق إلى صاحبه.

وعليه فالأصح سماع الدعوى في المقام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo