< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في شروط سماع الدعوى‌.

تابع مسألة (5): لا يشترط في سماع الدعوى حضور المدّعى عليه في بلد الدعوى، فلو ادّعى على الغائب من البلد؛ سواء كان مسافراً، أو كان من بلد آخر-قريباً كان أو بعيداً- تسمع، فإذا أقام البيّنة حكم القاضي على الغائب، ويردّ عليه ما ادّعى إذا كان عيناً، ويباع من مال الغائب ويؤدّى دينه إذا كان ديناً. ولا يدفع إليه إلّا مع الأمن من تضرّر المدّعى عليه لو حضر وقضي له؛ بأن يكون المدّعي مليّاً أو كان له كفيلٌ. وهل يجوز الحكم لو كان غائباً وأمكن إحضاره بسهولة، أو كان في البلد وتعذّر حضوره بدون إعلامه؟ فيه تأمّل. ولا فرق في سماع الدعوى على الغائب بين أن يدّعي المدّعي جحود المدّعى عليه وعدمه.

نعم، لو قال: «إنّه مقرّ ولا مخاصمة بيننا» فالظاهر عدم سماع دعواه، وعدم الحكم. والأحوط عدم الحكم على الغائب إلّا بضمّ اليمين. ثمّ إنّ الغائب على حجّته، فإذا حضر وأراد جرح الشهود أو إقامة بيّنة معارضة، يقبل منه لو قلنا بسماع بيّنته[1] .

وأما الصورة الرابعة فقد استظهر سيدنا الماتن (قده) عدم سماع دعواه وعدم الحكم على الغائب وذلك للاعتراف بعدم الخصومة والقضاء انما هو عبارة عن فصل الخصومة ورفع التنازع.

ولكن الأوجه سماع الدعوى ههنا أيضا فيما لو ترتب عليها غرض عقلائي، كما لو تضرر المدعي من تأخير وصول حقه مثلا، او احتمال موته لشدة مرضه او غير ذلك من الاحتمالات العقلائية المقبولة، فانها تقبل.

الصورة الرابعة: ذهب سيدنا الماتن (قده) الى الاحتياط الوجوبي في عدم الحكم على الغائب الا ضمن اليمين.

ويمكن ان يكون مستنده (قده) مشهور ما ذهب اليه العلماء (اعلى الله مقامهم) من جهة ومن جهة ثانية لتنزيل الغائب منزلة الميت، فكما تحتاج الدعوى على الميت الى ضم اليمين فكذلك المقام.

ويمكن النقاش في ذلك:

أولا: بعدم لزوم ضم اليمين في المقام وذلك تمسكا بإطلاق الروايات ومما تقدم من النص الخاص.

ثانياً: لكون تنزيل الغائب على الميت لا يخلو من القياس ولا يخفى بطلانه.

ثالثاً: لا نقول بضم اليمين في الدعوى على الميت لإطلاق ادلة الدعوى على الميت كما سياتي ان شاء الله.

الصورة الخامسة: الغائب على حجته، فلو حضر واقام البينة او أراد جرح الشهود فإنه يقبل منه.

وهذا ما عليه الاجماع والنص المتقدم

-(حمّد بن الحسن بإسناده عن أبي القاسم جعفر بن محمّد، عن جعفر بن محمّد بن إبراهيم، عن عبد الله بن نهيك، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن جماعة من أصحابنا عنهما (عليهما السلام) قالا: الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة، ويباع ماله، ويقضى عنه دينه وهو غائب، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم، قال: ولا يدفع المال إلى الّذي أقام البيّنة إلاّ بكفلاء)[2] .

الصورة السادسة: هذا ما سيذكره الماتن (قده) في المسألة الأتية (6).

مسألة (6): الظاهر اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس، فلا يجوز الحكم عليه في حقوق اللَّه تعالى مثل الزنا، ولو كان في جنايةٍ حقوق الناس وحقوق اللَّه، كما في السرقة، فإنّ فيها القطع وهو من حقوق اللَّه، وأخذ المال وردّه إلى صاحبه وهو من حقوق الناس، جاز الحكم في حقوق الناس دون حقوق اللَّه، فلو أقام المدّعي البيّنة حكم الحاكم، ويؤخذ المال على ما تقدّم[3] .

تارة يكون الحكم على الغائب بحقوق النا

وثانية بحقوق الله تعالى مثل الزنا وشرب الخمر وغيرهما.

وثالثة فيما يجتمع فيه حق الله وحق الناس.

فاما المورد الأول فهو مما قام عليه الاجماع من جهة ومن جهة ثانية فالمنساق إليه من الأدلة الخاصة هو حقوق الناس الخاصة، وهو المتيقن منها.

واما المورد الثاني (حقوق الله)، فإنها أولاً مبنية على التسهيل مهم امكن من جهة، ومن جهة ثانية لإطلاق قول النبي الاكرم (ص) لما نحن فيه (درأ الحدود بالشبهات)

-( محمد بن عليّ بن الحسين، قال: قال رسول الله (صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله): ادرأوا الحدود بالشبهات، ولا شفاعة، ولا كفالة، ولا يمين في حد)[4] .

وسيأتي بيانه.

واما مورد اجتماع الحقين معاً (حق الله وحق الناس) كما في مثال السرقة المذكور في المتن ففيها الضمان وفيها القطع فلا اشكال في جواز الحكم في حقوق الناس بلزوم رد الحق الى صاحبه واما حق الله تعالى في قطع اليد فلا ينفذ الحكم في حق الله تعالى وذلك لانهما موضوعان مختلفان، فيترتب على كل منهما حكمه الخاص.

مسألة (7): لو تمّت الدعوى من المدّعي، فإن التمس من الحاكم إحضار المدّعى عليه أحضره، ولا يجوز التأخير غير المتعارف. ومع عدم التماسه وعدم قرينة على إرادته فالظاهر توقّفها إلى أن يطلبه[5] .

لأن الدعوى قائمة بالمدّعي وهو صاحب الحق وعليه فله الحق في طلب إحضار المدّعى عليه كما له الحق في رفع اليد عن الدعوى كليًا أو مرحليًا، فإن لم يلتمس من القاضي إحضار المدعى عليه فالظاهر توقف الدعوى إلى أن يطلبه المدّعي.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo