< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

44/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في جواب المدّعى عليه‌.

فصل: في جواب المدّعى عليه‌.

المدّعى عليه: إمّا أن يسكت عن الجواب، أو يقرّ، أو ينكر، أو يقول:

«لا أدري»، أو يقول: «أدّيت»، ونحو ذلك ممّا هو تكذيب للمدّعي.

القول: في الجواب والإقرار .

مسألة (1): إذا أقرّ المدّعى عليه بالحقّ -عيناً أو ديناً- وكان جامعاً لشرائط الإقرار وحكم الحاكم ألزمه به، وانفصلت الخصومة، ويترتّب عليه لوازم الحكم، كعدم جواز نقضه، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر، وعدم جواز سماع الحاكم دعواه، وغير ذلك. ولو أقرّ ولم يحكم فهو مأخوذ بإقراره، فلا يجوز لأحد التصرّف فيما عنده إذا أقرّ به إلّا بإذن المقرّ له، وجاز لغيره إلزامه، بل وجب من باب الأمر بالمعروف. وكذا الحال لو قامت البيّنة على حقّه من جواز ترتيب الأثر على البيّنة، وعدم جواز التصرّف إلّا بإذن من قامت على حقّه. نعم، في جواز إلزامه أو وجوبه مع قيام البيّنة من باب الأمر بالمعروف إشكال؛ لاحتمال أن لا يكون الحقّ عنده ثابتاً ولم تكن البيّنة عنده عادلة، ومعه لا يجوز أمره ونهيه، بخلاف الثبوت والإقرار [1] .

فصل في جواب المدّعى عليه.

هذا الباب يدرس حالة وصول القضية الى إجرائها العملي لتشخيص الحق وتعيين صاحبه سواءٌ أكانت المنازعة والخصومة مستحكمة كما في إنكار المدّعى عليه بوجه من وجوه الانكار الذي يُفضي إلى تكذيب المدّعي، أم كان بإعتراف المدّعى عليه وإقراره بما ادعاه المدّعي.

وما يصدر من المدّعى عليه يمكن القول بان الحصر إستقرائي بل عقلي فإن حاله بعد دعوى المدّعى عليه لا تخلو من أمور: فإما أن يسكت عن الجواب، أو أن يقرّ بما إدعاه المدّعي، أو أن يُنكر دعواه، أو يقول: (لا أدري) أو يقول: (قد أديّت الحق أو الدين أو العين المدعى به).

القول في الجواب والإقرار .

فلو أقرّ المدّعى عليه بالحق عينًا كان أو دينًا مع تمامية شرائط الإقرار المبحوثة في كتاب الإقرار، وحكم الحاكم على طبق ذلك وألزمه الحاكم به فترتفع الخصومة من البين لإنتفاء موضوعها من الأساس، وعندئذ يتوافقا على أمر واحد، والاقرار حجة عقلائية بما أقرَّ المقرُّ على المقرِّ له، ويدل عليه أيضًا ما ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (وروى جماعة من علمائنا في كتب الإستدلال عن النبيّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله)، أنّه قال: اقرار العقلاء على انفسهم جائز)[2] .

وحجية الإقرار غير موقوفة على حكم الحاكم، اللهم إلا إذا كان المورد مسبوقًا بالخصومة، وخيف من التشكيك والإقرار لاحقًا، فإنه عندئذ لا بد من حكم الحاكم لإثباته وتأكيده ليترتب عليه آثار الحكم ولوازمه من قبيل عدم جواز نقضه، وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر، وعدم جواز سماع الحاكم الآخر دعواه وغير ذلك وعليه فلو أقرَّ المدعى عليه بما ادعى به المدِّعي ولم يحكم الحاكم فهو مأخوذٌ بإقراره لما تقدم من أن الإقرار من الحجج العقلائية المعتبرة عند كافة العقلاء فتترتب عليه جميع الآثار الشرعية من قبيل عدم جواز التصرف فيما عنده إذا أقرَّ به إلا بإذن المقرّ له، وجاز لغيره إلزامه، بل وجب من جهة باب الأمر بالمعروف والحال نفسه فيما قامت البينة على حقه من ترتيب الأثر على البينة، وعدم جواز التصرف إلا بإذن مَن قامت على حقه، وذلك لكون البينة حجة شرعية بل عقلائية أيضًا لإيجابها الإطمئنان النوعي بمؤداها، وحجيتها غير موقوف على قيامها لدى الحاكم الشرعي فيما لو تم إحراز جميع الجهات المعتبرة فيها وإن كانت غالبًا لا تثبت إلا عنده لجهة كون القاضي مما أنيط به القضاوة وفصل الخصومة وعليه فلا وجه للتفريق بينها وبين الإقرار من خصوص هذه الجهة.

نعم ذهب سيدنا الماتن (قده) إلى التفريق بينهما في جواز إلزامه أو وجوبه مع قيام البينة من باب الأمر بالمعروف، واستشكل بذلك لإحتمال أن لا يكون الحق عنده ثابتًا، ولم تكن البينة عنده عادلة، ومعه لا يجوز أمره ونهيه بخلاف الثبوت والإقرار.

ويمكن أن يرد عليه مما تقدم بعدم الفرق بين الإقرار والبينة حتى من هذه الجهة، وذلك بأن كل منهما حجة شرعية وعقلائية، ولا ينبغي أن يخالف في ذلك أحد، وإن اختلفت أصحاب الملل والنحل في تحديد مفهوم العدالة لكن الجميع يتفق على قبول شهادة العادل والاعتماد عليها مع تماميتها للشرائط فيترتب الأثر عليها حتى في مثل الموارد التي ذكرها سيدنا الماتن في الإستشكال وعليه فلا فرق بين ما لو قامت البينة بحضور الحاكم وعدمه لترتيب جميع الآثار في المقام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo