تابع مسألة (03): لو لم يكن للمدّعي بيّنة واستحلف المنكر فحلف، سقطت دعوى المدّعي في ظاهر الشرع، فليس له بعد الحلف مطالبة حقّه، ولا مقاصّته، ولا رفع الدعوى إلى الحاكم، ولا تُسمع دعواه. نعم، لا تبرأ ذمّة المدّعى عليه، ولا تصير العين الخارجية بالحلف خارجاً عن ملك مالكها، فيجب عليه ردّها وإفراغ ذمّته؛ وإن لم يجز للمالك أخذها ولا التقاصّ منه، ولا يجوز بيعها وهبتها وسائر التصرّفات فيها. نعم، يجوز إبراء المديون من دينه على تأمّل فيه، فلو أقام المدّعي البيّنة بعد حلف المنكر لم تسمع، ولو غفل الحاكم، أو رفع الأمر إلى حاكم آخر، فحكم ببيّنة المدّعي لم يعتدّ بحكمه[1] .

وهذه الروايات واضحة الدلالة في المقام، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين أن يكون للمدّعي بيّنة ورضي بحلف المنكر، أو لم يكن له بيّنة من الأساس، كما أن ظاهر الاخبار المتقدمة أعلاه عدم الفرق بين ما لو كان الحق دينًا أو عينًا، وبين ما لو كان المنكر قد اشترط سقوط الحق بعد حلفه أو، لا).

نعم، لا تبرأ ذمة المدّعى عليه (المنكر) إذا كان كاذبًا في حلفه، وبين الله، ولا تصير العين الخارجة بهذا الحلف خارجة عن ملك صاحبها، وذلك للأصل أولًا وللضرورة ثانيًا وللروايات الواردة في المقام ثالثًا ومنها:

-(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن ابن أبي عمير، (عن سعد، يعني: ابن أبي خلف، عن هشام بن الحكم)، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان، وبعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً، فإنّما قطعت له به قطعة من النار)[2] .

فيجب على المنكر أن يرد العين لمالكها الواقعي لبقاء إشتغال الذمة في الواقع، والحلف منه إنما تأثيره في الخصومة الظاهرية فقط، ولا يتنافى ذلك مع عدم جواز تصرف المالك بالعين قصاصًا ولا بغيره، لكون المال ثصار في ظاهر الشرع للمنكر وليس للمالك الواقعي، وهذا من موارد إختلاف الاحكام الظاهرية مع الاحكام الواقعية، التي من شأنها أن تحافظ على النظام في رفع الخصومات في المقام.

نعم يجوز إبراء المديون من دينه وذلك لكون المنكر مديونًا للمدّعي في الواقع كما المفروض، وإنما الحلف أثر في رفع الخصومة الظاهرية كما تقدم.