< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في الجواب بالانكار‌.

 

مسألة (06): للمنكر أن يردّ اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت دعواه وإلّا سقطت. والكلام في السقوط بمجرّد عدم الحلف والنكول، أو بحكم الحاكم، كالمسألة السابقة. وبعد سقوط دعواه ليس له طرح الدعوى ولو في مجلس آخر؛ كانت له بيّنة أو لا. ولو ادّعى بعد الردّ عليه: بأنّ لي بيّنة، يسمع منه الحاكم، وكذا لو استمهل في الحلف لم يسقط حقّه، وليس للمدّعي بعد الردّ عليه أن يردّ على المنكر، بل عليه إمّا الحلف أو النكول، وللمنكر أن يرجع عن ردّه قبل أن يحلف المدّعي، وكذا للمدّعي أن يرجع عنه لو طلبه من المنكر قبل حلفه[1] .

 

ذكر سيدنا الماتن (قده) في هذه المسألة عدة قضايا:

الأولى: في أن _المنكر الذي توجه إليه الحلف بعد عدم وجود بيّنة للمدّعي_ له أن لا يحلف ويردّ الحلف للمدّعي، فإذا حلف ثبتت دعواه بحكم الحاكم، وإلا سقطت.

وثبوت دعوى المدّعي بحلفه يمكن الاستدلال عليه _مضافًا إلى الاجماع_ ورود الروايات العديدة في المقام، ومنها صحيحة محمد بن مسلم:

-(محمّد بن يعقوب، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) ـ في الرجل يدّعي ولا بيّنة له ـ قال: يستحلفه، فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلم يحلف فلا حقّ له)[2] .

وصحيحة عبيد بن زرارة:

-(وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين ابن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في الرجل يدّعى عليه الحقُّ، ولا بيّنة للمدّعي ـ قال: يستحلف، أو يردّ اليمين على صاحب الحقّ، فإن لم يفعل فلا حقّ له)[3] .

وصحيحة هشام:

-(عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: تردّ اليمين على المدّعي)[4] .

ومنها معتبرة أبي العباس:

-(عن أحمد بن محمّد، عن عليِّ بن الحكم، أو غيره، عن أبان، عن أبي العبّاس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا أقام الرجل البيّنة على حقّه، فليس عليه يمين، فإن لم يقم البيّنة فردّ عليه الّذي ادّعى عليه اليمين، فإن أبى أن يحلف فلا حقّ له)[5] .

وأما قضية ثبوت الدعوى _بعد حلف المدّعي_ بحكم الحاكم فلما تقدم في المسألة السابقة من كون الحاكم وظيفته أن يقضي بين الناس وهم يرجعون إليه في نزاعتهم ليحكم بينهم بالحق.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحلف عندما يصل إلى المدّعي بعد نكول المنكر، فيكون المدّعي مخيّر بين الحلف وعدمه، فإذا حلف ثبتت دعواه، وإن لم يحلف تسقط دعواه، وليس للمدّعي أن يرد الحلف ثانية إلى المنكر لعدم الدليل من جهة ولزوم الردّ والرد المقابل مما لا يُقضي إلى نتيجة حاسمة من جهة ثانية.

الثانية: وهي مترتبة على القضية الأولى، بحيث إن المدّعي إذا رفض الحلف وسقطت دعواه بحكم، فلا يجوز له رفع هذه الدعوى لا في هذا المجلس ثانية ولا في أي مجلس قضائي آخر، والحكم بعدم الجواز ههنا مطلق، سواء أكان للمدّعي بيّنة أم لا، كما لو تذكر وجود البيّنة مثلًا، وذلك لقض النزاع في هذه القضيّة بعد حكم الحاكم.

الثالثة: نعم لو رد المنكر اليمين على المدّعي وإدعى المدّعي البيّنة قبل أن يحلف، فإن للحاكم أن يسمع له، وذلك لوجود المقتضي وعدم المانع، فتعود المسألة إلى المربّع الأول، ونقطة البداية في أي شمول الأدلة للمقام قبل حكم الحاكم، حيث إن المنكر برد اليمين للمدّعي وأختار المدّعي إظهار البيّنة من دون اليمين لقوله (صلى الله عليه وآله): (البيّنة على المدّعي واليمين على أنكر).

-(عليُّ بن إبراهيم في (تفسيره) عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عثمان بن عيسى، وحمّاد بن عثمان، جميعاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث فدك ـ إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر: أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا، قال: فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه، ادَّعيت أنا فيه، من تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين، قال: فاذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون، تسألني البيّنة على ما في يدي؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبعده، ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليَّ كما سألتني البيّنة على ما ادَّعيت عليهم ـ إلى أن قال: ـ وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): البيّنة على من ادَّعى، واليمين على من أنكر)[6] .

وفي هذه القضية لا بد من الإشارة إلى أن كلًا من المدّعي والمنكر أن يستمهلا في الحلف، غاية ما في الأمر أنه لا يُستمهل المنكر إلى مدة قد تضرّ بحال المدّعي إلا إذا رضي المدّعي ذلك لكونه حقًا له، وله الحق في أن يعمل في حقه كما يشاء، بخلاف إستمهال المدّعي كما هو واضح.

وكذلك الحال، فيجوز لكل من المدّعي والمنكر أن يرجع عن إستحلاف الآخر قبل أن يحلف وذلك لعدم الدليل على المنع من جهة، ولإستصحاب بقاء الحق لكل منهما في المقام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo