< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في الجواب بالانكار‌.

 

مسألة (07): لو نكل المنكر فلم يحلف ولم يردّ، فهل يحكم عليه بمجرّد النكول، أو يردّ الحاكم اليمين على المدّعي؛ فإن حلف ثبت دعواه وإلّا سقطت؟ قولان، والأشبه الثاني[1] .

 

وقع الكلام في هذه المسألة بين الاعلام قديمًا وحديثًا في قولين وقد ذهب الشيخ (قده) في مبسوطه[2] حيث قال: (وإن لم يحلف ونكل عن اليمين لم يحكم عليه بنكوله خلافا لمن قال إنه يحكم عليه، ولا يستثبت أيضا لأجل تركه اليمين بل ترد اليمين على المدعى فيحلف، و يحكم له)،

وصاحب السرائر (قده) في سرائره[3] حيث قال: (ولا يجوز أن يحكم عليه بالحقّ بمجرد النكول، بل لا بدّ من يمين المدعي، ليقوم النكول واليمين مقام البينة، وقد يشتبه هذا الموضع على كثير من أصحابنا، فيظن أن بمجرّد النكول يثبت الحق، وهذا خطأ محض).

وأيضا: (من ادعى مالا أو غيره، ولا بينة له، فتوجهت اليمين على المدّعى عليه، فنكل عنهما، فإنّه لا يحكم عليه بالنكول، بل يلزم اليمين المدّعي ، فيحلف، ويحكم له بما ادّعاه، هذا هو مذهب أصحابنا)[4] .

وصاحب الوسيلة (قده) في الوسيلة[5] حيث قال: (وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين لم يستثبت حكم النكول، ورد اليمين على المدعي، فإن نكل استثبت حكم النكول إن لم يتعلل بإقامة بينة، أو تحقق، أو نظر في حساب آخر. فإن تعلل بشئ من ذلك أخر، فإذا حلف استحق، وإذا استحلف لم يكن له الرجوع إلا برضاء من استحلفه، وإذا أقام شاهدا وقال: لا أختار اليمين سقط حقه منها. فإن ادعى ثانيا في مجلس آخر، ونكل المدعى عليه عن اليمين، أوردها عليه كان له أن يحلف، وإن ادعى توفير الحق صار مدعيا، وكان عليه البينة، واليمين على صاحبه، وله رد اليمين)،

والسيد الطباطبائي (قده) في رياض المسائل[6] حيث قال: (وقيل: يرد) الحاكم (اليمين على المدعي) من باب نيابته العامة (فإن حلف ثبت حقه، وإن نكل بطل) ولعل هذا أظهر).

والاسكافي (قده) في المختلف[7] .

إلى أن المنكر إذا نكل عن الحلف ولم يردّه إلى المدّعي، يردّ الحاكم الحلف على المدّعي فإن حلف تثبت دعواه وإلا سقطت، وهو المشهور بين الاعلام (اعلى الله مقامهم).

وخالف فيه المحقق الحلي (قده) في شرائعه[8] حيث قال: (ويقضي على المنكر به مع النكول، كالعتق والنكاح والنسب وغير ذلك. هذا على القول بالقضاء بالنكول، وعلى القول الآخر ترد اليمين على المدعي، ويقضي له مع اليمين وعليه مع النكول).

ويمكن الاستدلال على ما ذهب إليه المشهور ومنهم سيدنا المعظم (قده) بإطلاق قوله (صلى االله عليه وآله):

-(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن ابن أبي عمير، (عن سعد، يعني: ابن أبي خلف، عن هشام بن الحكم)، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان، وبعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً، فإنّما قطعت له به قطعة من النار)[9] .

بتقريب ان القضاء وحكم الحاكم لا يتم إلا بأحد أمرين، البينات والأيمان، فإذا لم يحلف المنكر ولم يرد اليمين على المدّعي، فإن الحاكم بحكم ولايته يرد اليمين عليه هذا مضافًا إلى أن الأصل ههنا، هو عدم ثبوت الحق إلا بذلك.

 

مسألة (08): لو رجع المنكر الناكل عن نكوله، فإن كان بعد حكم الحاكم عليه، أو بعد حلف المدّعي المردود عليه الحلف، لا يلتفت إليه، ويثبت الحقّ‌ عليه في الفرض الأوّل، ولزم الحكم عليه في الثاني من غير فرق بين علمه بحكم النكول أو لا[10] .

 

في المسألة قضيتان:

(الأولى): لا ينفع رجوع المنكر الناكل عن نكوله فيما لو حكم الحاكم عليه، ولا أثر لرجوع الناكل عن نكوله، وذلك لثبوت الحق عليه بحكم الحاكم الذي من وظيقته أن يرفع النزاع بين المتخاصمين ويفصل الخصومة بينهما بمجرد الحكم، وعليه فلا يبقى موضوع للرجوع بعد ذلك.

(الثانية): إذا رجع المنكر عن نكوله بعد تحقق الحلف من المدّعي وقبل حكم الحاكم، فقد ذهب سيدنا (قده) في هذه القضية إلى لزوم أن يحكم الحاكم على المنكر في المفروض، واعتبر بعدم مؤثرية الرجوع ههنا، بناء على رأيه (قده) من أن الحاكم يرد على المدّعي اليمين مع عدم حلف المنكر ولم يردّ على المدّعي، ولكن الأرجح في هذه الصورة هو الالتفات إلى رجوعه لعدم ثبوت الحق عليه قبل حكم الحاكم وإن تحقق موجبه، وأن رجوع المنكر قبل حكم الحاكم لا أقل أنه يورث الشك في سقوط دعواه، والقدر المسلّم من حكم النكول ما إذا كان باقيًا عليه.

نعم، إن قضية (عدم الفرق بين علمه بحكم النكول من عدمه في ثبوت الحق مع تمامية موازين القضاء، فهو الأقوى وذلك لكونه من الوضعيات التي لا مدخلية للعلم والجهل في ذلك. لوضوح أن الجهل ليس عذرًا في الاحكام الوضعية، كما في الاتلاف الموجب للضمان مطلقًا سواءٌ أكان صادرًا ممن ثبت له التكليف، أم لا.

 


[6] - رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي، ج13، ص109، ط مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين.
[7] - المختلف، الاسكافي، ج08، ص397.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo