< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء

القول: في الجواب بالانكار‌.

مسألة (17): لو أقام البيّنة على حقّه ولم يعرفهما الحاكم بالعدالة، فالتمس المدّعي أن يحبس المدّعى عليه حتّى يثبت عدالتهما، قيل: يجوز حبسه، والأقوى عدم الجواز، بل لا يجوز مطالبة الكفيل منه، ولا تأمين المدّعى به، أو الرهن في مقابل المدّعى به[1] .

إذا أقام المدّعي البيّنة على حقه، وكانت بيّنته مجهولة عند الحاكم من جهة العدالة أو الفسق، فقد تقدم أن للحاكم أن يطلب من المدّعي إثبات عدالة الشهود، فالتمس المدّعي ههنا من الحاكم أن يحبس المدّعى عليه إلى حين إثبات عدالة البيّنة، وأيضًا يمكن التساؤل عما إذا كان يجوز للحاكم مطالبة الكفيل منه، أو تأمين المدّعى عليه، أو الرهن في مقابل المدّعى به؟.

لم أجد فيما تتبعت من كلمات الأعلام (اعلى الله مقامهم) أن تعرض أحد منهم لمسألة الحبس في المقام، لكنهم تعرّضوا لمسألة جواز ملازمته ومطالبته بكفيل، وما شابه مما يضمن حق المدّعي فيما لو هرب المدّعى عليه وغير ذلك.

وعلى ايّ حال، فقد ذهب المشهور بل عامة الفقهاء (اعلى الله مقامهم) لعدم جواز مطالبة الكفيل من المدّعى عليه، ولا تأمين المدّعى به أو الرهن في مقابل المدّعى به.

منهم المحقق الحلي (قده) في شرائعه حيث قال: (الثانية إذا أقام المدعي بينة و لم يعرف الحاكم عدالتها فالتمس المدعي حبس المنكر ليعدلها قال الشيخ يجوز حبسه لقيام البينة بما ادعاه و فيه إشكال من حيث لم يثبت بتلك البينة حتى يوجب العقوبة)[2]

وصاحب كشف الرموز حيث قال: (وفي تكفيل المدعي عليه تردد. ويخرج من الكفالة عند انقضاء الأجل)[3] .

والشهيد (قده) في لمعته حيث قال: (وليس له إلزامه بكفيل) للغريم)، ولا ملازمته لأنه تعجيل

عقوبة لم يثبت موجبها. وقيل: له ذلك، وإن أحضرها وعرف حكم العدالة (فيها) حكم (بشهادتها العدالة) فيها (حكم) بشهادتها بعد التماس المدعي سؤالها والحكم))[4] .

وصاحب المسالك حيث قال: (ولو ذكر المدّعي أن له بيّنة غائبة خيّره الحاكم بين الصبر و[بين] إحلاف الغريم. وليس له ملازمته ولا مطالبته بكفيل)[5] .

(وصاحب الرياض حيث قال: (وفي) جواز (تكفيل المدعى عليه) وأخذ الكفيل منه ليحضره متى حضرت البينة هنا أي عند غيبة البينة وعدم ثبوت الحق بها بعد (تردد) واختلاف بين الأصحاب)[6] .

وهذا على خلاف من ذهب إلى الجواز كما حكي عن الشيخين في المقنعة والنهاية وعن صاحب الوسيلة حيث قال: (وإن ادعى غيبة بينته أخذ منه كفيل حتى يحضر البينة ما لم تزد المدة على ثلاثة أيام: فإن زادت لم يلزمه الكفيل فإن أحضرها قبل انقضاء المدة فذاك، وإن لم يحضرها برئت ذمة الكفيل)[7] وغيرهم.

ويمكن الإستدلال على القول الأول (عدم الجواز) بأن كل ما ذكر (من الحبس أو طلب الكفيل أو الرهن أو التأمين) إنما هذه فرع ثبوت الحق للمدّعي، ولا معنى لطلب هذه الأمور من المدّعى عليه مما يسبب له الضرر أو الحرج بمجرد احتمال أحقية المدّعي بما يدّعيه من الحق.

نعم، مع ظهور الاحتمال المعتد به على أحقية المدّعي، والخوف من هروب المنكر، وعدم إمكان استيفاء حق المدّعي بعد ثبوته، يمكن القول بجواز إيجاد ما يضمن حق المدّعي بعد ثبوته كما في مطالبة المنكر برهن أو تأمين مع عدم لزوم الضرر عليه كما لو كان واجدًا لذلك وميسورًا.

وأما ما استدل عليه أصحاب القول الثاني (جواز حبسه، أو التأمين أو الرهن مطلقًا)، بقاعدة لا ضرر ولا ضرار، خصوصًا مع احتمال هرب المنكر وعدم المكنه من استيفاء حق المدّعي بعد ثبوته، فيجب حبسه، أو مطالبته بالكفيل أو الرهن أو التأمين حتى مع لزوم الضرر على المدّعى عليه إلا أن ذهاب حق المدّعي أيضًا يسبب عليه الضرر وهنا على الحاكم أن يراعي الأقل ضررًا كالتأمين مثلًا. ويمكن الإجابة على هذا الاستدلال بقاعدة (لا ضرر ولا ضرار)

أولًا: لا سبيل للاستدلال بالقاعدة المذكورة ههنا، وذلك لأن الضرر لا يُدفع بالضرر.

ثانيًا: لا وجه لهذا الاستدلال بالقاعدة هنا إذ كيف يمكن جواز دفع الضرر المحتمل بضرر يقيني؟

وعليه، فالأقوى ما ذهب إليه سيدنا الماتن (قده) موافقة للمشهور، سوى ما تقدم منا بإمكان الجمع بين القولين. والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo