< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/05/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء

 

القول: في الجواب بالانكار‌

مسألة (21): يعتبر في الشهادة بالعدالة العلم بها إمّا بالشياع أو بمعاشرة باطنة متقادمة، ولا يكفي في الشهادة حسن الظاهر ولو أفاد الظنّ، ولا الاعتماد على‌ البيّنة أو الإستصحاب. وكذا في الشهادة بالجرح لا بدّ من العلم بفسقه، ولا يجوز الشهادة اعتماداً على البيّنة أو الإستصحاب. نعم، يكفي الثبوت التعبّدي -كالثبوت بالبيّنة، أو الإستصحاب، أو حسن الظاهر- لترتيب الآثار، فيجوز للحاكم الحكم اعتماداً على شهادة من ثبتت عدالته بالإستصحاب أو حسن الظاهر الكاشف تعبّداً أو البيّنة[1]

في هذه المسألة يريد سيدنا الماتن (قده) أن يفرّق بين جواز الشهادة على العدالة التي تتوقف على العلم الوجداني أو القريب منه حسًّا، وبين ترتيب آثار العدالة على شخص بمقتضى الحجج الشرعية من قبيل الاستصحاب وحسن الظاهر وإن أفاد ظنًا، فأما في الشهادة على العدالة فإنه يشترط فيها العلم بها إما وجدانًا، وإما بالشياع المفيد للعلم، حيث إنه من الواضح عدم حجية الشياع بنفسه ما لم يُفد العلم أو بمعاشرة عميقة يعرف من خلالها الشاهد بحقيقة حال المشهود له في تمام حالاته من الراحة والتعب، والرضى والغضب، والفرح والتّرح وغير ذلك ومما يفضي إلى العلم بعدالته أو الاطمئنان المنزل منزلة العلم عند العقلاء.

وخلاصة القول: إشتراط العلم بالعدالة من أي طريق حصل كالشياع إذا أفاد علمًا أو المعاشرة القديمة كذلك، بخلاف حسن الظاهر والاستصحاب لأصالة عدم الاعتبار في المقام سواءٌ أكان ذلك في الشهادة بالعدالة أم بالجرح كذلك.

ويمكن الاستدلال عليه بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾[2]

وبما ورد عن نبينا الاكرم (صلى الله عليه وعلى آله).

(جعفر بن الحسن بن سعيد المحقّق في (الشرائع) عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وقد سئل عن الشهادة، قال: هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع)[3]

ومنها: عن مولانا الصادق (عليه السلام):

-(محمّد بن يعقوب، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال في الصبيِّ يشهد على الشهادة؟ فقال: إن عقله حين يدرك أنه حقّ جازت شهادته)[4]

ومنها: ما عن الصدوق (قده) (وعن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنَّ شهادة الصبيان إذا أشهدوهم وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها)[5]

وأما جهة ترتيب آثار العدالة على شخصٍ بمقتضى الحجج الشرعية التي منها حسن الظاهر فإنه يكفي الثبوت التعبدي كالثبوت بالبيّنة والإستصحاب أو حسن الظاهر لترتيب الآثار، وعليه فيجوز للحاكم الشرعي أن يحكم إعتمادًا على شهادة من ثبتت عدالته بالإستصحاب أو حسن الظاهر الكاشف تعبدًا أو البيّنة، فلو شهد الشاهدان بحسن الظاهر فالظاهر جواز الحكم بشهادته بعد ثبوت حسن الظاهر كاشفًا تعبدًا أو بحسب سيرة العقلاء عن العدالة، لأن حسن الظاهر إذا ثبتت إماريته شرعًا كما هو مفاد النصوص فيصح الإعتماد عليه في الشرع بعد الثبوت ومن النصوص:

-(محمّد بن عليِّ بن الحسين بإسناده عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف، (وكفِّ البطن) والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وغير ذلك، والدلالة على ذلك كلّه (أن يكون ساتراً) لجميع عيوبه، حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ، وحفظ مواقتيهنّ بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلاّهم إلاّ من علّة، فاذا كان كذلك لازماً لمصلاّه عند حضور الصلوات الخمس، فاذا سئل عنه في قبيله ومحلّته قالوا: ما رأينا منه إلاّ خيراً، مواظباً على الصلوات، متعاهداً لأوقاتها في مصلاّه، فانَّ ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين، وذلك أنَّ الصلاة ستر وكفّارة للذنوب، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلّي إذا كان لا يحضر مصلاّه ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنّما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلّي ممّن لا يصلّي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيع، ولولا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأنَّ من لا يصلّي لا صلاح له بين المسلمين، فان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) همَّ بأن يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلّي في بيته فلم يقبل منه ذلك، وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من الله عزَّ وجلَّ ومن رسوله (صلّى الله عليه وآله) فيه الحرق في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلاّ من علّة)[6]

-(عن عليِّ بن محمّد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن علقمة، قال: قال الصادق (عليه السلام) وقد قلت له: يا ابن رسول الله أخبرني عمّن تقبل شهادته ومن لا تقبل؟ فقال: يا علقمة، كلّ من كان على فطرة الإِسلام جازت شهادته، قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟ فقال: يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلاّ شهادة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، لأنّهم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنباً، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية الله، داخل في ولاية الشيطان)[7]

فكما أن إحراز الأمارة وجدانًا ذو أثر شرعًا فكذلك إحرازها تعبدًا بحسن الظاهر والاستصحاب وبالبيّنة مثلًا، ويجوز العمل بمفادها بحسب ما تقتضي، وبهذا يجري الكلام في المسألة الآتية (22).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo