< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء

 

القول: في الجواب بالانكار‌.

مسألة (25): لا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدين لم يحرز عدالتهما عنده؛ ولو اعترف المدّعى عليه بعدالتهما لكن أخطأهما في الشهادة[1] .

وقد تقدم منا في المسألة السابقة أن مجرد رضى المدّعى عليه مما يخالف الموازين القضائية الشرعية لا يُغيّر حكم الله تعالى، وحكم الحاكم لا بد أن يكون بعد إحراز العدالة المحقق لموضوع صحة الحكم، ولا أقل من الشك في الحجية والأصل عدمها، هذا، مضافًا إلى إجماع الأصحاب على ذلك.

مسألة (26): لو تعارض الجارح والمعدّل سقطا وإن كان شهود أحدهما اثنين والآخر أربعة؛ من غير فرق بين أن يشهد اثنان بالجرح وأربعة بالتعديل معاً، أو اثنان بالتعديل ثمّ بعد ذلك شهد اثنان آخران به، ومن غير فرق بين زيادة شهود الجرح أو التعديل[2] .

تقدم في المسألة (20) حقيقة التعارض بين الجارح والمعدّل وهو خصوص حالة التعارض المستقر دون غيره مما يمكن الجمع بينهما أو الخروج عن حالة التعارض وإن كان يبدو ذلك للوهلة الأولى، كما لو شهدت بيّنة الجارح (رأيته يشرب خمرًا بالأمس) وقالت بيّنة التعديل (لقد تاب اليوم وعادت إليه الملكة) ونحكم بالعدالة. وتقدم الأقوال في حال التعارض من الرجوع إلى القرعة، أو التوقف أو ترجيح بيّنة الجارح، أو البيان الذي قويناه هناك والكلام ههنا فيما لو كانت البينتان غير متساويتين بل إحدى البينتين أكثر عددًا من الثانية، كما لو كانت الأولى إثنتين وكانت الثانية أربعة أو أكثر، سواءٌ أحضرت بيّنة الأكثر في آن واحد مع البيّنة الأقل، أم حضر العدد الزائد بعد ذلك.

فالمشهور كما عند سيدنا الماتن (قده) ذهب إلى التساقط مطلقًا، من غير فرق بين كون إحداهما أكثر أو أقل من الثانية، وذلك لكونهما مأخوذتان على نحو المجموع بما هو دون النظر إلى التجزئة والتفكيك بينهما، فالأربعة أو الأكثر محمولة في قبال البيّنة الأخرى وإن كانت اثنتين فيتعارضا ويتساقطا.

ولكن يمكن النقاش في ذلك، بأن العرف العام لسيرة العقلاء يفرّق بين ما لو كانت البيّنتان متساويتين أو متفاوتتين في الأكثر والأقل، خصوصًا إذا كان التفاوت كبيرًا، كما لو كانت إحدهما مقتصرة على شاهدي عدل فقط، والثانية عشرة أو عشرين مثلًا، فإننا نراهم يرجحون بيّنة الأكثر عددًا، وأرجح عقلًا ودينًا وورعًا وما شابه، ويؤيده ما تشير إليه صحيحة عمر بن حنظلة المتقدمة.

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما ـ إلى أن قال: ـ فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما، واختلف فيهما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال: الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما، في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر، قال: فقلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على صاحبه، قال: فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به، المجمع عليه عند أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه ـ إلى أن قال: ـ فإن كان الخبران عنكم مشهورين، قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عرفاً حكمه من الكتاب والسنّة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة، والآخر مخالفاً لهم، بأيّ الخبرين يؤخذ؟ فقال: ما خالف العامّة ففيه الرشاد، فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالآخر، قلت: فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً؟ قال: إذا كان ذلك فارجئه حتّى تلقى إمامك، فإنَّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات)[3] .

مسألة (27): لا يشترط في قبول شهادة الشاهدين علم الحاكم بإسمهما ونسبهما بعد إحراز مقبولية شهادتهما، كما أنّه لو شهد جماعة يعلم الحاكم أنّ فيهم عدلين كفى في الحكم، ولا يعتبر تشخيصهما بعينهما [4] .

ذلك لكون المعيار والملاك في مقبولية شهادة الشاهد هو إحراز العدالة فيه، ولا دخل لما لا خصوصية لإسمه ونسبه وبلدته وما شابه ذلك في ترجيح عدالته شرعًا، وتحقق شهادة الشاهدين بالشرائط المعتبرة شرعًا يوجب قبول الشهادة بلا فرق بين ما لو كان الشاهدان حضرا بنفسيهما أو في ضمن عددًا آخر معهما لأنه يحقق الملاك في مقبولية الشهادة عند الحاكم. ويدل عليه إطلاق النصوص مضافًا للإجماع على ذلك بين الأعلام (اعلاه الله مقامهم).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo