< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في الجواب بالانكار‌.

تابع مسألة (28): لا يشترط في الحكم بالبيّنة ضمّ يمين المدّعي. نعم، يُستثنى منه الدعوى على الميّت، فيعتبر قيام البيّنة الشرعية مع اليمين الإستظهاري، فإن أقام البيّنة ولم يحلف سقط حقّه. والأقوى عدم إلحاق الطفل والمجنون والغائب وأشباههم -ممّن له نحو شباهة بالميّت في عدم إمكان الدفاع لهم- به، فتثبت الدعوى عليهم بالبيّنة من دون ضمّ يمين. وهل ضمّ اليمين بالبيّنة منحصر بالدين، أو يشمل غيره كالعين والمنفعة والحقّ؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما عن قرب. نعم، لا إشكال في لحوق العين المضمونة على الميّت إذا تلفت مضمونة عليه[1] .

الحاق الطفل والمجنون والغائب بالميت.

ثم ذكر سيدنا (قده) قضية إلحاق الطفل والمجنون والغائب وأشباهم ممّن يشبهون الميت في عدم إمكان الدفاع لهم بالميت وعدمه واختار أقوائية عدم الإلحاق به.

وهذا ما ذهب إليه جماعة من الفقهاء (اعلى الله مقامهم) منهم صاحب الشرائع حيث قال:

(ولا يستحلف المدعي مع البينة، إلا أن تكون الشهادة على ميت، فيستحلف على بقاء الحق في ذمته استظهارا. ولو شهدت على صبي أو مجنون أو غائب، ففي ضم اليمين إلى البينة تردد، أشبهه أن لا يمين)[2] ،

وكفاية الأحكام حيث قال: (وفي تعدّي حكم المسألة إلى ما شاركها في المعنى كالدعوى على الطفل والغائب والمجنون قولان. ومذهب الأكثر ذلك، نظراً إلى مشاركتهم للميّت في العلّة المومئ إليها في الخبر، فيكون من باب منصوص العلّة، ومن باب اتّحاد طريق المسألتين)[3] .

والشهيد الثاني (قده) في مسالكه حيث قال: (ولو أقرّ له قبل الموت بمدّة لا يمكن فيها الاستيفاء عادة، ففي وجوب ضمّ اليمين إلى البيّنة وجهان، من إطلاق النصّ الشامل لموضع النزاع، وقيام الإحتمال، وهو إبراؤه منه وقبضه من ماله ولو بعد الموت، ومن البناء على الأصل والظاهر من بقاء الحقّ. وهذا أقوى)[4] .

وصاحب الجواهر (قده) حيث قال: (ولو شهدت) البينة (على صبي أو مجنون أو غائب) بدين (ففي ضم اليمين إلى البينة تردد) وخلاف ينشأ من كونهم كالميت في عدم اللسان المحتمل على تقدير وجوده الجواب بما يقتضي البراءة منه، بل هو مقتضى منصوص العلة في الخبر الأول وهو المحكي عن الأكثر بل المشهور، ومنهم الشيخ في المبسوط والفاضل والشهيد، ومن أن معقد النص والفتوى الميت، فلا يقاس عليه غيره، لحرمته عندنا)[5] . وغيرهم.

خلافًا للمشهور الذي حكم بإلحاق كل من الطفل والمجنون والغائب بالميت. قال الشيخ في مبسوطه (فإذا شهد له عدلان استحلفه لجواز أن يكون قد قبض الحق ولا علم بذلك الشهود، فلهذا يستحلف مع بينته، وهكذا كل من أقام البينة على من لا يعبر عن نفسه لم يحكم الحاكم حتى يستحلفه مع بينته، وهو القضاء على الصبي والميت والغائب)[6] .

وصاحب إرشاد الأذهان حيث قال: (ولا يستحلف المدعي مع البينة، إلّا أن تكون الشهادة على ميت أو صبي أو مجنون أو غائب، فيستحلف على بقاء الحق استظهاراً يميناً واحدة وإن تعدد الوارث)[7] ،

وفي قواعد الأحكام حيث قال: (ولو كانت الشهادة على صبي أو مجنون أو غائب فالأقرب ضم اليمين. ويدفع الحاكم من مال الغائب بعد التكفيل)[8] ،

وصاحب اللمعة الدمشقية حيث قال: (وَيَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى بَقَاءِ الْحَقِّ، وكَذَا يَجِبُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ والطِّفْلِ والْمَجْنُونِ)[9] . وغيرهم.

وعليه فللفقهاء قولان في المسألة، وبالتحقيق نقول بأن العمدة في الإستدلال على الالحاق خلافًا للمشهور وبقول سيدنا الماتن (قده) هو:

إلغاء الخصوصية عن الميت لضم يمين المدّعي إلى بيّنته فيما لو كانت الدعوى على الميت.

وذلك للتعليل الوارد في رواية عبد الرحمان بن أبي عبدالله المتقدمة في قوله (عليه السلام) لإثبات ضم اليمين إلى البيّنة (لأنا لا ندري لعله قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها، أو غير بيّنة قبل الموت).

والطفل والمجنون والغائب يشملهم التعليل المذكور في الرواية حيث إنهم كالميت لا لسان لهم فكما أنه لا يُكتفي بالبيّنة على الميت في الدعوى عليه، لكون البيّنة إنما تُثبت حقًا للمدّعي، ولكنها لا تنفي سداد الحق من الميت قبل موته، فلا بد حينئذ من ضم اليمين لنفي أداء حقّه إليه، فكذلك الحال في الطفل والمجنون والغائب، فهم مسلوبو العبارة عن إثبات الحق لما هم عليه من علّة الغياب أو العجز أو الجنون.

ويرد عليه، بإحتمال الفرق بين الميت وهؤلاء، وهذا كافٍ في المقام، وذلك: فأما الغائب فربما يرجع عن غيبته وهو على حجته إذا قدم من السفر، وأما الصغير فإنه سيكبر يومًا ما ويرتفع عنه سلب العبارة وكذلك المجنون فيما لو إرتفع عنه الجنون وصار عاقلًا، بخلاف الميت فإنه لا لسان له مطلقًا، ويدل عليه عمومات حجية البيّنة وإطلاقهاتها، وكون الاحتياج إلى اليمين على خلاف الإطلاق وعندئذ يُقتصر فيه على خصوص مورده.

هذا، وقد ورد في الغائب بعض الروايات التي تنص على أنه يُقضى عليه، وأنه على حجته إذا قدم، ومنها ما عن مولانا الصادق (عليه السلام):

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن أبي القاسم جعفر بن محمّد، عن جعفر بن محمّد بن إبراهيم، عن عبد الله بن نهيك، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن جماعة من أصحابنا عنهما (عليهما السلام) قالا: الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة، ويباع ماله، ويقضى عنه دينه وهو غائب، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم، قال: ولا يدفع المال إلى الّذي أقام البيّنة إلاّ بكفلاء)[10] .

وهذا يكفي في التفرقة بينه وبين الميت.

وعليه فالأقوى ما ذهب إليه سيدنا (قده) وجماعة من الفقهاء على ذلك.

وذكر سيدنا (قده) في آخر المسألة (28) (قضية إلحاق العين بالدين) قال(قده): (وهل ضم اليمين بالبيّنة منحصر بالدين، أو يشمل غيره كالعين والمنفعة والحق؟ وجهان لا يخلو ثانيهما عن قرب).

تقدم أنه إذا كانت الدعوى على الميت بدين للمدّعي بذمة الميت فلا بد من ضم اليمين إلى البيّنة، ولكن ماذا لو كانت الدعوى على عين من الأعيان أو على منفعة أو على أي حق من الحقوق كحق الرهانة أو الخيار مثلًا؟.

فهل أنه لا بد من ضم اليمين إلى البيّنة أو تكفي البيّنة في المقام؟

وبعبارة ثانية هل أن الحكم بضم اليمين في الدعوى على الميت مختص بالدين أو يشمل العين أيضًا؟.

ومنشأ الاختلاف في المسألة هو أن القائلين بإختصاص الحكم المذكور بالدين هو أن ضم اليمين إلى البيّنة على خلاف القاعدة المستفادة من الدليل المتقدم من رواية عيد الرحمان بن أبي عبدالله خصوصًا أنها مشتملة عل ألفاظ (الحق) و(عليه) و(وفاة) وهذه متلائمة مع الدين خاصة.

ولذا قالوا بأن تعميم الحكم لشموله العين يحتاج إلى دليل ولا دليل في المقام فيقتصر على القدر المتيقن وهو الدين.

وأما القائلون بالشمول لينسحب على العين فقالوا بإلغاء خصوصية الدين وذلك وإن قد يُفهم منه ذلك في صدر الرواية، إلا أن ذيل الرواية عامًا فيشمل الدين والعين معًا، وإنما ذكر الدين في صدرها إنما هو من باب المثال ليس إلّا، والحال أن المدّعى عليه ميتٌ ولا لسان له ليدافع عن نفسه، فلا بد من ضم اليمين إلى البيّنة، مضافًا إلى إحتمال أن يكون الميت قبل موته قد وفاه حقه، أو أن تكون العين قد إنتقلت إلى الميت بوجه شرعي كالهبة والشراء مثلًا فالمناط واحد فيهما فلا بد من ضم اليمين إلى البيّنة.

ومع غض النظر عن المناقشة في كلا القولين لمجرد البحث النظري في ذلك، فإن المسألة يمكن أن تُطرح بواقعها العملي، لأن العين إما أن تكون باقية خارجًا فهي ملك للوارث وعندئذ فالدعوى موجهة إلى الحي لا إلى الميت، فلا حاجة لضم اليمين إلى البيّنة تمسكًا بعمومات وإطلاقات الأدلة في ذلك وإن كانت تالفة فالدعوى موجهة إلى الميت، وعندئذ فلا بد من ضم اليمين إلى البيّنة فحالها حال الدين لأن ليس للميت لسان ليدافع عن نفسه، وبهذا يمكن علاج المسألة ويتم التصالح بين من قال بإلحاق العين بالدين ومن قال بعدمه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo