< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

 

القول: في الشاهد واليمين‌

مسألة (1): لا إشكال في جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد ويمين المدّعي، كما لا إشكال في عدم الحكم والقضاء بهما في حقوق اللَّه تعالى، كثبوت الهلال وحدود اللَّه. وهل يجوز القضاء بهما في حقوق الناس كلّها حتّى مثل النسب والولاية والوكالة، أو يجوز في الأموال وما يقصد به الأموال، كالغصب والقرض والوديعة، وكذا البيع والصلح والإجارة ونحوها؟ وجوه، أشبهها الاختصاص بالديون. ويجوز القضاء في الديون بشهادة امرأتين مع يمين المدّعي[1] .

القول في الشاهد واليمين

تشتمل هذه المسألة على عدة قضايا:

القضية الأولى: إن ظاهر كلمات الفقهاء قديمًا وحديثًا شيعةً وسنةً إنعقدت على أصل جواز القضاء بشاهد واحد ويمين سوى ما عن أبي حنيفة وأتباعه حيث أنكروا ثبوت الحق مطلقًا بالشاهد الواحد واليمين.

وقد استدلوا على ذلك بما ورد صحيحًا مما قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام).

ومن الروايات المتقدمة، في كتب بعض المدارس غير الإمامية مثل:

(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله بن نمير. قالا: حدثنا زيد (وهو ابن خباب). حدثني سيف بن سليمان. أخبرني قيس ابن سعد عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس؛

أن رسول الله (ص) قضى بيمين وشاهد)[2] .

(حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الْمَدِينِيُّ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيُّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ»)[3] .

(حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ وَعَدِىِّ بْنِ بَدَّاءَ فَمَاتَ السَّهْمِىُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامَ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ فَقَالُوا اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِىٍّ فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِىِّ فَحَلَفَا لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ. قَالَ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ الآيَةَ)

(أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ ، أنبأ أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، ثنا هُشَيْمٌ ، عَنْ دَاوُدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُذَيْنَةَ إِلَى شُرَيْحٍ فِي نَاسٍ مِنَ الْأَزْدِ ادَّعَوْا قِبَلَ نَاسٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ ، قَالَ: وَإِذَا غَدَا هَؤُلَاءِ بِبَيِّنَةٍ رَاحَ أُولَئِكَ بِأَكْثَرَ مِنْهُمْ ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ: "لَسْتُ مِنَ التَّهَاتُرِ وَالتَّكَاثُرِ فِي شَيْءٍ ، الدَّابَّةُ لِمَنْ هِيَ فِي أَيْدِيهِمْ إِذَا أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ")

(أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ ، أنبأ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ ، ثنا تَمْتَامٌ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ غَالِبٍ، حَدَّثَنِي هُدْبَةُ ، ثنا هَمَّامٌ ، ثنا قَتَادَةُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي مُوسَى "أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا ، فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ ، فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا" وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، عَنْ هَمَّامٍ ، وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ مَحْفُوظٌ) وغيرها.

ومن الروايات المنقولة من طرقنا:

(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم، عن أبي أيّوب الخرّاز، عن محمّد ابن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد، ويمين صاحب الدين، ولم يجز في الهلال إلاّ شاهدي عدل)[4] .

(عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحقّ)[5] .

(عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن حمّاد بن عثمان، قال: سمعت أبو عبد الله (عليه السلام) يقول: كان عليٌّ (عليه السلام) يجيز في الدين شهادة رجل، ويمين المدّعي)[6] .

-(عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حدَّثني أبي (عليه السلام): أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قضى بشاهد ويمين)[7] .

-(عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر (عليه السلام)، فسألاه عن شاهد ويمين، فقال: قضى به رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقضى به عليٌّ (عليه السلام) عندكم بالكوفة، فقالا: هذا خلاف القرآن، فقال: وأين وجدتموه خلاف القرآن؟ قالا: إنَّ الله يقول: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) فقال: قول الله: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ هو لا تقبلوا شهادة واحد ويميناً، ثمَّ قال: إنَّ عليّاً (عليه السلام) كان قاعداً في مسجد الكوفة، فمرَّ به عبد الله بن قفل التميميّ ومعه درع طلحة، فقال له عليٌّ (عليه السلام): هذه درع طلحة، اخذت غلولاً يوم البصرة، فقال له عبدالله بن قفل: اجل بيني وبينك قاضيك الّذي رضيته للمسلمين، فجعل بينه وبينه شريحاً، فقال عليٌّ (عليه السلام): هذه درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة، فقال له شريح: هاتِ على ما تقول بينة، فأتاه بالحسن، فشهد أنّها درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة، فقال شريح: هذا شاهد، واحد ولا أقضي بشهادة شاهد، حتّى يكون معه آخر، فدعا قنبر فشهد أنّها درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة، فقال شريح: هذا مملوك، ولا أقضي بشهادة مملوك، قال: فغضب عليٌّ (عليه السلام)، وقال: خذها، فإنَّ هذا قضى بجور ثلاث مرّات، قال: فتحوّل شريح وقال: لا أقضي بين اثنين، حتّى تخبرني من أين قضيت بجور ثلاث مرّات؟ فقال له: ويلك ـ أو ويحك ـ إنّي لمّا أخبرتك أنّها درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة فقلت: هاتِ على ما تقول بيّنة، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): حيث ما وجد غلول اخذ بغير بيّنة، فقلت: رجل لم يسمع الحديث فهذه واحدة، ثمّ أتيتك بالحسن فشهد، فقلت: هذا واحد ولا أقضي بشهادة واحد، حتّى يكون معه آخر، وقد قضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بشهادة واحد ويمين، فهذه ثنتان، ثمَّ أتيتك بقنبر، فشهد أنّها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة، فقلت: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً، ثمَّ قال: ويلك ـ أو ويحك ـ إنَّ إمام المسلمين يؤمن من اُمورهم على ما هو أعظم من هذا)[8] .

-(عن حمّاد بن عيسى، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حدَّثني أبي: أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد قضى بشاهد ويمين)[9] .

-(عن القاسم، عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد، مع يمين صاحب الحقّ)[10] .

-(عن فضالة، عن أبان، عن أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أجاز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شهادة شاهد، مع يمين طالب الحقّ، إذا حلف أنه الحقّ)[11] .

-(عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بشهادة رجل، مع يمين الطالب في الدين وحده)[12] .

-(عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن عبيد الله بن أحمد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد، إذا علم منه خير، مع يمين الخصم في حقوق الناس، فأمّا ما كان من حقوق الله عزَّ وجلَّ، أو رؤية الهلال فلا)[13] .

-(محمّد بن عليِّ بن الحسين قال: قضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بشهادة شاهد، ويمين المدّعي، قال: وقال (عليه السلام): نزل جبرئيل بشهادة شاهد، ويمين صاحب الحقّ، وحكم به أمير المؤمنين (عليه السلام) بالعراق)[14] .

(وفي (الأمالي) عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن الحسن بن عليّ العدوي، عن صهيب بن عباد بن صهيب، عن أبيه، عن الصادق، عن آبائه: أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قضى باليمين مع الشاهد الواحد، وأنَّ عليّاً (عليه السلام) قضى به بالعراق)[15] .وغيرها.

والمحصّل من ذلك ظهور الاتفاق على أصل جواز القضاء بالشاهد الواحد واليمين في الجملة بغض النظر عمّا يثبت به في موارده.

القضية الثانية: عدم جواز الحكم بالشاهد واليمين في حقوق الله تعالى.

إتفق الاصحاب (رضوان الله عليهم) على عدم جواز الحكم بشاهد واحد ويمين في حقوق الله تعالى كالحدود الشرعية من قبيل حد شارب الخمر والزنا والسرقة وغيرها.

وهذا ما دلت عليه النصوص الصحيحة والصريحة منها:

صحيح محمد بن مسلم:

-(عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد، إذا علم منه خير، مع يمين الخصم في حقوق الناس، فأمّا ما كان من حقوق الله عزَّ وجلَّ، أو رؤية الهلال فلا)[16] .مضافًا إلى الإجماع عل ذلك.

 


[2] سنن ابن ماجه، ج01، ص793.
[3] سنن ابن داود، ج4، ص337.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo