< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في الشاهد واليمين‌

تابع مسألة (1): لا إشكال في جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد ويمين المدّعي، كما لا إشكال في عدم الحكم والقضاء بهما في حقوق اللَّه تعالى، كثبوت الهلال وحدود اللَّه. وهل يجوز القضاء بهما في حقوق الناس كلّها حتّى مثل النسب والولاية والوكالة، أو يجوز في الأموال وما يقصد به الأموال، كالغصب والقرض والوديعة، وكذا البيع والصلح والإجارة ونحوها؟ وجوه، أشبهها الاختصاص بالديون. ويجوز القضاء في الديون بشهادة امرأتين مع يمين المدّعي[1] .

تحقيق المقام وحيث أن القول الثاني (الحقوق المالية) داخلة في القول الثالث (حقوق الناس) لأنها من الحقوق أو تحمل على القول الأول (في خصوص الدين) وفقًا لرواياته من الأدلة أمكن لنا حصر الاقوال في إثنين:

الأوّل: إختصاص جواز الحكم بالشاهد الواحد واليمين في الدين.

الثاني: جواز الحكم بالشاهد الواحد واليمين في جميع حقوق الناس.

والأقوى في النظر هو القول الثاني (في حقوق الناس) وذلك تمسكًا بصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج:

-(عن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر (عليه السلام)، فسألاه عن شاهد ويمين، فقال: قضى به رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقضى به عليٌّ (عليه السلام) عندكم بالكوفة، فقالا: هذا خلاف القرآن، فقال: وأين وجدتموه خلاف القرآن؟ قالا: إنَّ الله يقول: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) فقال: قول الله: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) هو لا تقبلوا شهادة واحد ويميناً، ثمَّ قال: إنَّ عليّاً (عليه السلام) كان قاعداً في مسجد الكوفة، فمرَّ به عبد الله بن قفل التميميّ ومعه درع طلحة، فقال له عليٌّ (عليه السلام): هذه درع طلحة، اخذت غلولاً يوم البصرة، فقال له عبدالله بن قفل: اجل بيني وبينك قاضيك الّذي رضيته للمسلمين، فجعل بينه وبينه شريحاً، فقال عليٌّ (عليه السلام): هذه درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة، فقال له شريح: هاتِ على ما تقول بينة، فأتاه بالحسن، فشهد أنّها درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة، فقال شريح: هذا شاهد، واحد ولا أقضي بشهادة شاهد، حتّى يكون معه آخر، فدعا قنبر فشهد أنّها درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة، فقال شريح: هذا مملوك، ولا أقضي بشهادة مملوك، قال: فغضب عليٌّ (عليه السلام)، وقال: خذها، فإنَّ هذا قضى بجور ثلاث مرّات، قال: فتحوّل شريح وقال: لا أقضي بين اثنين، حتّى تخبرني من أين قضيت بجور ثلاث مرّات؟ فقال له: ويلك ـ أو ويحك ـ إنّي لمّا أخبرتك أنّها درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة فقلت: هاتِ على ما تقول بيّنة، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): حيث ما وجد غلول اخذ بغير بيّنة، فقلت: رجل لم يسمع الحديث فهذه واحدة، ثمّ أتيتك بالحسن فشهد، فقلت: هذا واحد ولا أقضي بشهادة واحد، حتّى يكون معه آخر، وقد قضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بشهادة واحد ويمين، فهذه ثنتان، ثمَّ أتيتك بقنبر، فشهد أنّها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة، فقلت: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً، ثمَّ قال: ويلك ـ أو ويحك ـ إنَّ إمام المسلمين يؤمن من اُمورهم على ما هو أعظم من هذا)[2] .

حيث إنها تستنكر:

أولًا: قضاء شريح بعدم حكمه بشاهد واحد وهو الحسن بن علي (عليهما السلام) الذي أتى به المولى علي (عليه السلام) كشاهد، وقول شريح (لا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر).

وهذا ما يخالف قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي قضى بالشاهد واليمين كما احتج به على شريح حيث قال له: (أتيتك بالحسن (عليه السلام) فشهد، فقلت: هذا واحد، ولا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر، وقد قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة واحد ويمين). وهذه الرواية صحيحة السند، وصريحة دلالة في دلالتها على كفاية الشاهد الواحد مع اليمين.

ثانيًا: أن النزاع فيها ب(الدرع) وهو ليس دينًا بل هي عين خارجية، وعليه يمكن أن تكون هذه الرواية قرينة على كون المراد من (الدين) في روايات الدين هو مطلق المال، وليس خصوص الدين، ومن الواضح عدم منافاة ذلك مع حقوق الناس فهو منها.

إن قلت: إن ما بين القول الاوّل خصوص الدين والثاني (حقوق الناس) هو أن الاوّل أخص من الثاني، ومقتضى الجمع بينهما هو حمل المطلق على المقيد، وعليه فجواز الحكم بالشاهد واليمين يكون خصوص الدين كما ذهب إليه سيدنا الماتن (قده).

قلت: إن أدلة القول الثاني أقوى ظهورًا من ظهور روايات القول الاوّل، مع أننا نلاحظ على أصل انعقاد الظهور في القول الاوّل، لإمكان أن يحمل (الدين) فيه على الحكاية عمّا قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهو مثال على ما قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس المراد منه، أن ثبوت الحق بشاهد ويمين يختص بالدين كما ذهب إليه سيدنا الأستاذ الخوئي (قده).

ويؤيده:

أولًا: كون صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة أنها في مقام إعطاء الضابطة الكلية لموارد ثبوت الحكم بالشاهد واليمين، لكونها منحصرة بين حقوق الله وحقوق الناس.

ثانيًا: تضافر الروايات المشتملة على لفظ الحق، مما يشير إلى ثبوت الحق بالشاهد واليمين.

القضية الرابعة المطروحة في متن المسألة: حكم القضاء بشهادة إمراتين مع يمين المدّعي.

يجوز الحكم بشهادة إمراتين مع يمين المدّعي فيما يجوز به شهادة الواحد مع اليمين.

وهذا ما عليه مشهور الفقهاء قديمًا وحديثًا سوى ما حكي عن ابن ادريس (قده)، في السرائر حيث قال: (يحكم بالشاهد واليمين في الأموال عندنا، سواء كان المال دينا أو عينا، وكذلك يحكم بشهادة امرأتين، مع يمين المدّعي، في ذلك، عند بعض أصحابنا. والذي تقتضيه الأدلة ويحكم بصحته النظر الصحيح، أنّه لا يقبل شهادة امرأتين مع يمين المدّعي، وجعلهما بمنزلة الرجل في هذا الموضع، يحتاج إلى دليل شرعي، والأصل أن لا شرع، وحملها على الرجل قياس، وهو عندنا باطل، والإجماع فغير منعقد، والأخبار غير متواترة، فإن وجدت فهي نوادر شواذ، والأصل براءة الذمم، فمن أثبت بشهادتهما حكما شرعيا، فإنّه يحتاج إلى أدلة قاهرة، أمّا إجماع، أو تواتر أخبار، أو قرآن وجميع ذلك خال منه، فبقي دليل العقل، وهو ما اخترناه وحققناه)[3] .

وما عن تحرير الاحكام حيث قال: (لا يقبل في الأموال امرأتين ويمين المدّعي [- يج-] لو ادّعى الرّجل أنه خالع امرأته فأنكرت فأقام شاهدا لم يحلف معه لإثبات مال الفدية ولو ادّعت المرأة الخلع لم يقبل بشاهد ويمين لأنها تقصد فسخ النكاح وليس مالا [- يد-] إذا أقام المدعي شاهدا واحدا خيّر بين الحلف معه وبين إقامة شاهد آخر وبين رفض شاهده وإحلاف المنكر فإن اختار الأخير وهو إحلاف المنكر ثمّ اختار أن يستردّ ما بذله ويحلف هو قال الشيخ (رحمه اللّٰه) لم يكن له لأنّ من بذل اليمين لخصمه لم يكن له أن يستردّها بغير رضاه كيمين الردّ إذا بذلها المدعى عليه للمدعي لم يكن له أن يستردّها إلى نفسه بغير رضاه فإن اختار أن يقيم على ذلك ويستخلف المنكر فإن حلف المنكر سقطت الدعوى عنه‌)[4] .

فأما الاوّل (ابن ادريس) فربما يكون منعه من قيام المرأتين مقام الشاهد الواحد لما عليه من أصالة عدم حجية الخبر.

وأما الثاني فقد منع من قيام المرأتين مقام الشاهد في كتاب القضاء، وقَبِل بشهادتهما في نفس الكتاب (تحرير الاحكام) في مبحث الشهادات حيث قال: (يقبل شهادة امرأتين مع رجل في الديون والأموال وشهادة امرأتين مع اليمين ولا يقبل فيه شهادة النساء وإن كثرن إلا مع رجل أو يمين ويقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع ميراث المستهلّ و في ربع الوصيّة وشهادة امرأتين في النصف...)[5]

وعلى أي حال، يمكن الإستدلال على ذلك:

أولًا: بأصل حجية شهادة المرأتين حيث دل على ذلك الآية الكريمة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[6] .

ثانيًا: لصحيحة الحلبي:

(عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين، يحلف بالله أنَّ حقّه لحقّ»[7] .

ولرواية منصور بن حازم (مرسلة):

(محمّد بن عليِّ بن الحسين بإسناده عن منصور بن حازم: ﴿أنَّ أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: إذا شهد لطالب الحقّ امرأتان ويمينه، فهو جائز﴾[8] .

وعليه فالأقوى قيامهما مقامه فيما يجوز الحكم به، فتثبت شهادتهما في الديون كما عليه سيدنا الماتن (قده) وجماعة، وهو الأحوط، والأقوى ثبوت ذلك في جميع حقوق الناس كما تقدم. وخاصة أن رواية بن حازم تشتمل على الجواز في مطلق الحق، وليست في خصوص الدين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo