< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في الشاهد واليمين‌

مسألة (2): المراد بالدين كلّ حقّ مالي في الذمّة بأيّ سبب كان، فيشمل ما استقرضه، وثمن المبيع، ومال الإجارة، ودية الجنايات، ومهر الزوجة إذا تعلّق بالعهدة، ونفقتها، والضمان بالإتلاف والتلف إلى غير ذلك، فإذا تعلّقت الدعوى بها أو بأسبابها لأجل إثبات الدين واستتباعها ذلك فهي من الدين، وإن تعلّقت بذات الأسباب وكان الغرض نفسها لا تكون من دعوى الدين[1] .

الواضح أن هذه المسألة أنها على ما بناه سيدنا الماتن (قده) من ذهابه إلى اختصاص الدعوى على الميت بلزوم ضم اليمين إلى البيّنة في الدين دون مطلق الأموال، وما يقصد به الأموال، فضلًا عن ثبوته الحكم بمطلق حقوق الناس كما تقدم ترجيحه خلافًا لما اختاره سيدنا الأستاذ ولكن أراد الماتن من ذكر المسألة تعميم دائرة الدين، وعدم اختصاصه بما استقرضه من الدائن، وعندئذ يشمل ثمن المبيع، ومال الاجارة ودية الجنايات، ومهر الزوجة إذا تلف بالعهدة، وكذا يشمل نفقة الزوجة، والضمان بالإتلاف والتلف وغير ذلك مما يتعلق بالعهدة.

وعليه، فكل دعوى تتعلق بها أو بأسبابها لإثبات الدين واستتباعها ذلك، فهي من الدين، دون ما إذا تعلق بذات الأسباب، وكان الغرض نفسها، فهي ليست من دعاوى الدين.

وعلى أي حال، فهذه المسألة لا تطرح على ما اخترناه من عدم اختصاص الدعوى على الميت بالديون بل بمطلق حقوق الناس كما مرّ آنفًا فراجع.

مسألة (3): الأحوط تقديم الشاهد وإثبات عدالته ثمّ اليمين، فإن قدّم اليمين ثمّ أقام الشاهد فالأحوط عدم إثباته؛ وإن كان عدم اشتراط التقديم لا يخلو من قوّة[2] .

ذهب المشهور إلى وجوب تقديم شهادة العادل على اليمين، وقال المحقق في شرائعه: (ويشترط شهادة الشاهد أولًا، وثبوت عدالته ثم اليمين، فلو بدأ باليمين وقعت لاغية وأفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة)[3] .

ويمكن الاستدلال على رأي المشهور:

أولاً: بأن أكثر الروايات اشتملت على الترتيب الذكري حيث ذكر فيها الشاهد أولًا ثم اليمين.

ثانيًا: لأصالة عدم ترتيب الأثر حين الشك في مخالفته الترتيب، فلا بد من إعادة اليمين بعد الشهادة.

ويرد عليه:

أولًا: لا وجه للزوم الأخذ بالترتيب الذكري فالروايات في مقام بيان أصل إعتبار الشاهد واليمين بمجموعها ليس ألاّ مع أن هناك روايات قدمت اليمين على الشاهد كما في رواية عباس بن هلال عن مولانا الرضا (عليه السلام):

-(عن أبي القاسم جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن الوليد، عن العبّاس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: ﴿إنَّ جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال له أبو حنيفة: كيف تقضون باليمين مع الشاهد الواحد؟ فقال جعفر (عليه السلام): قضى به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقضى به عليٌّ (عليه السلام) عندكم، فضحك أبو حنيفة، فقال له جعفر (عليه السلام): ﴿أنتم﴾ تقضون بشهادة واحد شهادة مائة، فقال: ما نفعل، فقال: بلى، يشهد مائة، فترسلون واحداً يسأل عنهم، ثمَّ تجيزون شهادتهم بقوله﴾)[4] .

ورواية عباد بن صهيب عن ابيه عن مولانا الصادق (عليه السلام):

-(وفي (الأمالي) عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن الحسن بن عليّ العدوي، عن صهيب بن عباد بن صهيب، عن أبيه، عن الصادق، عن آبائه: ﴿أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قضى باليمين مع الشاهد الواحد، وأنَّ عليّاً (عليه السلام) قضى به بالعراق﴾)[5] .

مضافًا إلى أن الترتيب الذكري أعم من وجوب الترتيب الحكمي.

ثانيًا: إننا عند الشك في كون اليمين مترتبة على الشاهد ومقيدة به، فيجري ههنا أصالة عدم التقييد وهي مقدمة على اصالة عدم ترتب الأثر، مضافًا إلى ثبوت الاطلاق في المقام، فلا تجري اصالة عدم ترتب الأثر هذا وإن لم نقل بثبوت الاطلاق أصلًا، أو مع عدم الأخذ بالروايات الأخرى التي تقدم اليمين على الشاهد كما مرّ، يبقى أن العرف لا يرى خصوصية في التقديم اللفظي خصوصًا مع القول بعدم كون الشهادة أصلًا واليمين فرع لها بل الأرجح كونهما جزءا الحجة الواحدة بلا فرق بتقديم إحدى الحجتين على الأخرى.

وعليه فلا يجب تقديم الشاهد على اليمين وإن كان الاحوط استحبابًا ذلك، خصوصًا مع الشك في ثبوت الاطلاق في الأدلة من جهة ولموافقة المشهور من جهة ثانية وربما لجهة أن الغالب في حالات التقاضي تكون في تقديم الشاهد على اليمين عند عدم وجود البيّنة، فإن لم يتوفر شاهد آخر يطلب منه اليمين. وهو ما ذهب إليه سيدنا الماتن (قده) إتباعًا لما عليه متأخري المتأخرين والمعاصرين (أعلى الله مقامهم).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo