< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

 

القول: في السكوت‌

أو الجواب بقوله: «لا أدري»، أو «ليس لي»، أو غير ذلك.

مسألة (1): إن سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه، فإن كان لعذر -كصمم أو خرس أو عدم فهم اللغة أو لدهشة ووحشة- أزاله الحاكم بما يناسب ذلك، وإن كان السكوت لا لعذر، بل سكت تعنّتاً ولجاجاً، أمره الحاكم بالجواب باللطف والرفق ثمّ بالغلظة والشدّة، فإن أصرّ عليه فالأحوط أن يقول الحاكم له أجب وإلّا جعلتك ناكلًا، والأولى التكرار ثلاثاً، فإن أصرّ ردّ الحاكم اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت حقّه[1] .

إذا ادعى شخص على آخر بدعوى من قبيل أن له حقًا في ذمته، وإلتزم الآخر الصمت ولم يقل شيئًا، أو قال: (لا ادري) أو (ليس لي)، وما شابه ذلك وهي عبائر بمثابة السكوت من جهة الحكم.

وإذا ادعى شخص على آخر بدعوى وسكت فلم (يجب شيء) او قال: (لا ادري)، وما شابه ذلك.

وهنا إما أن يكون سكوته عن عذر أو علة كالصمم أو الخرس، أو لعدم فهمه لغة المخاطب، أو لدهشة أو وحشة، أو أن يكون سكوته تعنتًا أو عنادًا فلم يُجب عن السؤال عندما طلب الحاكم منه الإجابة.

فأما الأول: (عدم الجواب لعذر وعلة) فإن من وظيفة الحاكم أن يزيل عذره بما يناسب ذلك، من توجيه الخطاب بالإشارة إن كان العذر الصمم، أو علاج اللغة بالترجمة وما شابه ممّا من شأنه أن يدفع المشكلة.

وأما الثاني: (التّعنت والعناد)، فقد اختلف الفقهاء (اعلى الله مقامهم) في حكم هذه القضية إلى أقوال ثلاثة:

القول الأول: (أنه يحبس حتى يجيب) وهو المحكي عن الشيخ المفيد (قده) في مقنعته حيث قال: (وإذا ادعى الخصم على خصمه شيئا وهو ساكت فسأله القاضي عما ادعاه الخصم عليه فلم يجب عن ذلك بشي‌ء استبرأ حاله فإن كان أصم أو أخرس عذره في السكوت وتوصل إلى إفهامه الدعوى ومعرفة ما عنده فيها من إقرار أو إنكار فإن أقر بالإشارة أو أنكر حكم عليه بذلك وإن كان صحيحا وإنما يتجاهل ويعاند بالسكوت أمر بحبسه حتى يقر أو ينكر إلا أن يعفو الخصم عن حقه عليه)[2] .

وهو اختيار الشيخ الطوسي (قده) في كتابيه النهاية حيث قال: (فإن أقر بالاشارة، أو أنكر، حكم عليه بذلك، وإن كان يتساكت عن خصمه، وهو صحيح قادر على الكلام، وإنما يعاند بالسكوت، أمر بحبسه حتى يقر او ينكر، إلا أن يعفو الخصم عن حقه عليه)[3] .

والخلاف حيث قال: (إذا ادعى على غيره دعوى، فسكت المدعى عليه، أو قال لا أقر ولا أنكر، فإن الإمام يحبسه حتى يجيبه بإقرار أو بإنكار، ولا يجعله ناكلا)[4] ،

وابن حمزة في وسيلته حيث قال: (فالأول: يتحرر بالوصف، والثاني: بالقيمة، والثالث: إن كان محلاة بهما معا قومهما بأيهما شاء، وإن كانت محلاة بأحدهما قومها بغير جنسه. فإذا حررت الدعوى، والتمس الجواب طالبه به الحاكم، فإن سكت حبسه حتى يجيب)[5] .

وهذا القول هو ما عليه أكثر المتأخرين، كما مختلف الشيعة حيث قال: (وقال الشيخ في المبسوط: إذا سكت أو قال: لا أقر ولا أنكر قال له الحاكم ثلاثا: إما أجبت عن الدعوى وإلا جعلناك ناكلا ورددنا اليمين على خصمك، وقال قوم: يحبسه حتى يجيبه بإقرار أو بإنكار ولا يجعله ناكلا فيقضي بالنكول والسكوت، وقوله: (لا أقر ولا أنكر) ليس بنكول. والأول يقتضيه مذهبنا، الثاني أيضا قوي. وهذا يدل على تردد الشيخ)[6] ،

واللمعة الدمشقية حيث قال: (وأما السكوت إن كان لآفة توصل إلى الجواب، وإن كان عنادا حبس حتى يجيب، أو يحكم عليه بالنكول بعد عرض الجواب عليه)[7] .

مسالك الافهام حيث قال: (وإن كان سكوته عنادا ففيه أقوال :أحدها: قول الشيخ في النهاية والخلاف، وقبله المفيد وسلّار، واختاره المصنف والمتأخّرون، إنه يلزم بالجواب، فإن أصرّ حبس حتى يبيّن، لأن الجواب حقّ عليه، فيجوز حبسه لاستيفائه منه.

والثاني: ما نقله المصنف )رحمه اللّه( من أنه يجبر حتى يجيب من غير حبس، بل يضرب ويبالغ معه في الإهانة إلى أن يجيب.

وثالثها: قول الشيخ في المبسوط يقول له الحاكم ثلاثا: إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك. واختاره ابن إدريس. وهو مبنيّ على عدم القضاء بالنكول، وإلا قضى عليه بامتناعه بعد عرض الحكم عليه بالنكول.

وفيه: منع كون السكوت نكولا، سواء قضينا به أم لا. فالقول الأول هو الأقوى. وذكر المصنف أنه مرويّ أيضا، ولم نقف على روايته)[8] ،

كفاية الفقه (كفاية الاحكام) حيث قال: (وإن كان سكوته عناداً ففيه أقوال:

الأوّل: أنّه يُلزَم بالجواب، فإن أصرّ على السكوت حبس حتّى يبيّن، لأنّ الجواب حقّ عليه، فيجوز استيفاؤه منه. وإليه ذهب الشيخان وسلّار والمتأخّرون. والتعليل لا يفيد خصوص الحبس.

الثاني: أنّه يجبر حتّى يجيب من غير حبس، بل يضرب ويبالغ في الإهانة إلى أن يجيب.

الثالث: يقول له الحاكم ثلاثاً: إن أجبت وإلّا جعلتك ناكلًا ورددت اليمين على خصمك. واختاره ابن إدريس وهو مبنيّ على كون السكوت نكولًا، وعلى عدم القضاء بالنكول.

وذكر المحقّق: أنّ القول الأوّل مرويّ ولم أجد به رواية على الخصوص)[9] وغيرهم.

وريما يستدل على هذا الرأي بأدلة الحبس ممّا ورد من روايات منها معتبرة غياث بن إبراهيم:

-(محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن يحيى، (عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه) أن عليا (عليه‌ السلام) كان يحبس في الدين فاذا تبين له حاجة وإفلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالا)[10] .

ومعتبرة السكوني:

-(عن محمد بن علي بن محبوب، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه أن عليا (عليه‌ السلام) كان يحبس في الدين ثم ينظر فان كان له مال أعطى الغرماء وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول لهم: اصنعوا به ماشئتم، ان شئتم واجروه، وإن شئتم، استعملوه وذكر الحديث)[11]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo