< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء

 

القول: في السكوت‌

أو الجواب بقوله: «لا أدري»، أو «ليس لي»، أو غير ذلك.

تابع مسألة (1): إن سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه، فإن كان لعذر -كصمم أو خرس أو عدم فهم اللغة أو لدهشة ووحشة- أزاله الحاكم بما يناسب ذلك، وإن كان السكوت لا لعذر، بل سكت تعنّتاً ولجاجاً، أمره الحاكم بالجواب باللطف والرفق ثمّ بالغلظة والشدّة، فإن أصرّ عليه فالأحوط أن يقول الحاكم له أجب وإلّا جعلتك ناكلًا، والأولى التكرار ثلاثاً، فإن أصرّ ردّ الحاكم اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت حقّه[1] .

ويرد عليه بأن الروايات المتقدمة إنما هي في مقام إحراز كون المدّعى عليه مديونًا، وليست كما المفروض ههنا من ادعي عليه الدين والمديون المشكوك.

هذا، واولى بالرد على من استدل برواية محمد بن جعفر عن ابيه عن مولانا ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لي الواجد بالدين يحل عرضه وعقوبته).

-(الحسن بن محمد الطوسي في (مجالسه) عن أبيه، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن المفضل بن محمد البيهقي، عن هارون بن عمرو المجاشعي، عن محمد بن جعفر، عن أبيه أبي عبدالله (عليهما‌ السلام). وعن المجاشعي، عن الرضا عن آبائه، عن علي (عليهم‌ السلام) قال: قال رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله): لي الواجد بالدين يحل عرضه وعقوبته ما لم يكن دينه فيما يكره الله عزّ وجلّ)[2] .

فيرد عليها:

أولًا: كما تقدم في الرد على ما سبقها من روايات، بأنها تدل على مفروغية كون المدّعى عليه مديونًا بالإقرار أو بالبيّنة مثلًا.

ثانيًا: بأن العقوبة مطلقة ههنا وهي أعم من الحبس خاصة.

القول الثاني: ومنهم من قال: يأمر الحاكم بضربه وإهانته حتى يجيب: حكاه في كشف اللثام حيث قال: (وقيل: يجبر عليه بالضرب والإهانة حتّى يجيب من باب الأمر بالمعروف. ولم نعرف القائل)[3] ولم يُعرف قائله.

وربما يستدل على هذا الرأي بأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب مراتبهما لتصل إلى الضرب والاهانة.

ويرد عليه:

أولًا: بأنهما خلاف الأصل، مع عدم ثبوت الحق ليستعمل الحاكم الشدة في الضرب والاهانة، ولا دليل على هذا الأمر في المقام مضافًا إلى أن الحبس أهون منهما في حال إستمرار الضرب والاهانة حتى يجيب.

القول الثالث: ومنهم من قال: بأن على الحاكم أن يستعمل الغلظة والشدة في القول، فلو أصرّ على السكوت يُخيّره الحاكم بين الإجابة أو أن يجعله ناكلًا، وهوما عليه الشيخ (قده) في مبسوطه (فأما القسم الثالث وهو إذا سكت أو قال لا أقر ولا أنكر، قال له الحاكم ثلاثا إما أجبت عن الدعوى وإلا جعلناك ناكلا ورددنا اليمين على خصمك، وقال قوم يحبسه حتى يجيبه بإقرار أو بإنكار، ولا يجعله ناكلا فيقضى بالنكول والسكوت وقوله لا أقر ليس بنكول، والأول يقتضيه مذهبنا، والثاني أيضا قوي)[4] .

والسرائر حيث قال: (وإن كان يتساكت عن خصمه، وهو صحيح قادر على الكلام، وإنما يعاند بالسكوت، قال شيخنا في نهايته: أمر بحبسه حتى يقرّ أو ينكر، إلا أن يعفو الخصم عن حقه عليه. وكذلك إن أقرّ بشيء، ولم يبيّنه، كأنّه يقول له عليّ شيء، ولا يذكر ما هو، ألزمه الحاكم بيان ما أقرّ به، فإن لم يفعل، حبسه حتى يبين. قال محمّد بن إدريس: والصحيح من مذهبنا، وأقوال أصحابنا، وما يقضيه المذهب، أنّ في المسألتين معا يجعله الحاكم ناكلا، ويرد اليمين على خصمه)[5] . ونسبه إلى الصحيح من مذهبنا، وهو ما ذهب إليه المتأخرون

ومنهم مجمع الفائدة والبرهان حيث قال: ((والثالث) أن يجعل كالناكل فيقال له ثلاثا إن أجبت وإلّا جعلتك ناكلا، فإن أصرّ فيحكم عليه بالحق، على القول بالنكول، أو بعد ردّ اليمين على المدّعي على القول به، لأن السكوت عن الجواب هو النكول، بل أقوى من النكول)[6] .

وهو ما عليه سيدنا الماتن (قده)، وهو الأقوى، وذلك لأن المدّعى عليه في المفروض لا يخلو أمره من حالات ثلاث فإنه لو ادعى شخص عليه، فإما أن يحلف (يمين)، أو يرد اليمين على المدّعي، أو ثبوت الحق.

إن قيل بالقضاء بالنكول ولا نقول به ههنا بل نقول برد اليمين على المدّعي ههنا خاصة بأنه والحال بقوة المنكر فإن لم يحلف هو فإنه يجب رد اليمين على المدّعي فإن حلف ثبت حقه وإلا سقط.

ويمكن إستفادة ذلك ممّا رواه المشايخ الثلاثة عن عبد الرحمان بن ابي عبد الله في ذيل روايته المتقدمة عند الحديث عن المدّعى عليه إذا كان حيًا.

(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن ياسين الضرير، عن عبد الرحمن ابن أبي عبد الله، قال: قلت للشيخ (عليه السلام): خبّرني عن الرجل يدَّعي قبل الرجل الحقَّ، (فلم تكن) له بيّنة بما له، قال: فيمين المدَّعى عليه، فإن حلف فلا حقّ له، (وإن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف، فلا حقَّ له)، (وإن لم يحلف فعليه)، وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات، فاُقيمت عليه البيّنة، فعلى المدّعي اليمين بالله الّذي لا إله إلاّ هو، لقد مات فلان، وأنَّ حقّه لعليه، فان حلف، وإلاّ فلا حقَّ له، لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها، أو غير بيّنة قبل الموت، فمن ثمَّ صارت عليه اليمين مع البينة، فإن ادّعى بلا بيّنة فلا حقَّ له، لأنَّ المدّعى عليه ليس بحيّ، ولو كان حيّاً لاُلزم اليمين، أو الحقّ، أو يردّ اليمين عليه، فمن ثمَّ لم يثبت الحقّ)[7] .

لكن إذا قررنا ذلك واستفدناه من الرواية أعلاه (عبد الرحمان بن ابي عبدالله) فإن الحكم حينئذ هو الالزام، وليس الاحتياط، وإذا كان لا بد من الاحتياط في المقام فهو استحبابي لا وجوبي كما يُفهم من متن سيدنا (قده)، خصوصًا مع ضعف أدلة الآراء المغايرة له من القول بالحبس أو الضرب والاهانة، وعليه يتعين الرأي الأخير.

وأما قوله (قده): (فإن أصرّ رد الحاكم اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت حقه).

وهذا ما تقتضيه موازين القضاء في وظيفة الحاكم وولايته على الحكم، وأما ثبوت حقه بعد حلف المدّعي، فهو شأن اليمين المردودة، إجماعًا ونصًا كما تقدم فراجع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo