< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/07/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في أحكام الحلف.

 

القول في أحكام الحلف

مسألة )1 :(لا يصحّ الحلف ولا يترتّب عليه أثر من إسقاط حقّ أو إثباته إلّا أن يكون باللَّه تعالى، أو بأسمائه الخاصّة به تعالى كالرحمان والقديم والأوّل الذي ليس قبله شي‌ء، وكذا الأوصاف المشتركة المنصرفة إليه تعالى كالرازق والخالق، بل الأوصاف غير المنصرفة إذا ضمّ إليها ما يجعلها مختصّة به، والأحوط عدم الاكتفاء بالأخير، وأحوط منه عدم الاكتفاء بغير الجلالة، ولا يصحّ بغيره تعالى، كالأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدّسة، كالكعبة وغيرها[1] .

 

لا خلاف ولا إشكال في أن الحلف لا يصح إلّا أن يكون بالله تعالى، أو بأسمائه الخاصة به تعالى، كالرحمان والقديم والأول الذي ليس قبله شئ.

وكذا يجوز الحلف بالأوصاف المشتركة المنصرفة إليه تعالى، كالرازق والخالق والبارئ وغيرها من الأوصاف التي ينصرف الذهن إلى كونها من أسماء الله تعالى.

وأما الأوصاف المشتركة بين الله تعالى وبين عباده ممّا لا إنصراف فيها عند إطلاقها إلى الله تعالى، فلا بد لصحة الحلف بها من ضميمة القرينة اللفظية ممّا يجعلها مختصة به تبارك وتعالى، كالعالم مع ضميمة (بكل شيء).

والقادر ب (كل شيء) وغيرها، مما يوجب ذلك عدم الانطباق إلا عليه تعالى.

وخلاصة الكلام أن الحلف لا يصح إلّا بالله تعالى سواءٌ أكان بخصوص لفظ الجلالة (الله) أو بمطلق أسمائه أو الأعم منه ومن أوصافه الخاصة، أو بالأعم منها وبالأوصاف المشتركة مع القرائن المعينة الدالة على أن الحلف به تبارك وتعالى ذاتًا أو بالإسم والوصف الدال عليه دون سواه بواسطة القرينة الدالة عليه تعالى.

نعم الأحوط استحبابًا عدم الإكتفاء بغير لفظ الجلالة (الله) وذلك لكونه القدر المتيقن منه الحلف بخصوص هذا اللفظ وبتوسط أسمائه وأوصافه الخاصة.

وعلى أي حال، ما يمكن الإستدلال على عدم صحة الحلف إلّا بالله تعالى دون الحلف بالأنبياء والأوصياء والقرآن وسائر الكتب المنزلة، والأماكن الشريفة كالكعبة المشرفة وغيرها، وذلك لخروجها عن عنوان الحلف بالله تعالى التي دلت عليه، بعض الروايات منها:

صحيحة علي بن مهزيار:

-(محمد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن عليّ بن مهزيار، قال: قلت لابي جعفر الثاني (عليه ‌السلام): في قول الله عزّ وجلّ: (والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى)، وقوله عزّ وجلّ: (والنجم إذا هوى) وما أشبه هذا، فقال: إن الله عزّ وجلّ يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به عزّ وجلّ)[2] .

صحيحة محمد بن مسلم:

-(محمد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن محمد بن مسلم قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام ): قول الله عزّ وجلّ: (والليل إذا يغشى) (والنجم إذا هوى)، وما أشبه ذلك، فقال: إن لله عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به)[3] .

صحيحة سليمان بن خالد:

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: في كتاب عليّ (عليه السلام): إنَّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى ربّه، فقال: يا ربّ كيف أقضي فيما لم (أرَ ولم أشهد)؟ قال: فأوحى الله إليه: احكم بينهم بكتابي، وأضفهم إلى اسمي، فحلفهم به، وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة)[4] .

خبر محمد بن قيس:

-(عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام )، قال: إنَّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى ربّه كيف أقضي في اُمور لم أخبر ببيانها؟ قال: فقال له: ردّهم إليّ، وأضفهم إلى اسمي يحلفون به)[5] . وغيرها.

وتجدر الإشارة إلّا أن الكلام ههنا إنما هو في الحكم الوضعي للحلف بالله تعالى، صحة أو بطلانًا، وليس هو في الحكم التكليفي من الجواز والحرمة أو الكراهة التي ياتي الكلام عنه مفصلًا في كتاب الايمان ان شاء الله تعالى.

كما أنه من الواضح أن مشروعية الحلف ههنا إنما هو لفصل الخصومات ورفع النزاعات بين المتخاصمين للحديث الشريف المتقدم (إنما أقضي بينكم بالأيمان والبيّنات)، وليس لإثبات الواقع، أو الكشف عنه بوجه من الوجوه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo