< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في أحكام الحلف.

 

مسألة (2): لا فرق في لزوم الحلف باللَّه بين أن يكون الحالف والمستحلف مسلمين أو كافرين أو مختلفين، بل ولا بين كون الكافر ممّن يعتقد باللَّه أو يجحده. ولا يجب في إحلاف المجوس ضمّ قوله: «خالق النور والظلمة» إلى «اللَّه». ولو رأى الحاكم أنّ إحلاف الذمّي بما يقتضيه دينه أردع، هل يجوز الاكتفاء به كالإحلاف بالتوراة التي انزلت على موسى عليه السلام؟ قيل: نعم، والأشبه عدم الصحّة. ولا بأس بضمّ ما ذُكر إلى اسم اللَّه إذا لم يكن أمراً باطلًا[1] .

 

في المسألة قضيّتان:

الأولى: في جواز حلف الكافر بغير الله تعالى وعدمه.

الثانية: في جواز ضم غير الله إلى االله في حلف غير المسلمين وعدمه.

أما القضية الأولى، فقد وقع الكلام فيها بين الاعلام، فمنهم المانعون من الحلف بغير الله تعالى وهو المشهور بينهم (اعلى الله مقامهم) من قال بعدم جواز الحلف إلا بالله دون سواه، واستدلوا على ذلك بروايات عديدة منها الصحيح والمعتبر سندًا ودلالة من جهتين، جهة العموم كما في الروايات المتقدمة ومنها صحيحة محمد بن مسلم:

-(محمد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن محمد بن مسلم قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): قول الله عزّ وجلّ: (والليل إذا يغشى) (والنجم إذا هوى)، وما أشبه ذلك، فقال: إن لله عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به)[2] .

-(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ) )وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ) وما أشبه ذلك، فقال: إنَّ لله عزَّ وجلَّ أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لِخلقه أن يقسموا إلاّ به)[3] .

وجهة الخصوص بالنسبة إلى حلف غير المسلم من اليهود والمجوس والنصارى وغيرهم ومنها:

-(محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام)، قال: لا يحلف اليهودي، ولا النصراني، ولا المجوسي بغير الله، انّ الله عزّ وجلّ يقول: وان احكم بينهم بما انزل الله)[4] .

-(عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام)، قال: لا يحلف بغير الله، وقال: اليهوديّ، والنصراني، والمجوسى لا تحلفوهم الا بالله عز وجل)[5] .

-(عن عليّ بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه‌ السلام) عن أهل الملل يستحلفون؟ فقال: لا تحلفوهم الا بالله عزّ وجلّ)[6] .

-(عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام)، قال: سألته هل يصلح لاحد ان يحلف احدا من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم؟ قال: لا يصلح لاحد أن يحلف احدا الا بالله عزّ وجلّ)[7] . وغيرها.

-المجوزون بالحلف بغير الله تعالى: ومنهم من قال بجواز الحلف بما يعتقدون به من الإله عندهم أو بمقدساتهم وما يحترمونه في دينهم ممّا يكون أردع لهم.

واستدلوا على ذلك بروايات منها ما رواه السكوني ومحمد بن مسلم ومحمد بن قيس:

-(عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) ان امير المؤمنين (عليه‌ السلام) استحلف يهوديا بالتوراة التي انزلت على موسى (عليه‌ السلام))[8] .

-(عن فضالة، وصفوان جميعاً، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن احدهما (عليه‌ السلام)، قال: سألته عن الاحكام؟ فقال: في كل دين ما يستحلفون به)[9] .

-(عن النضر بن سويد، وابن أبي نجران جميعاً، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قضى عليّ (عليه‌ السلام) فيمن استحلف اهل الكتاب بيمين صبر ان يستحلف بكتابه وملته)[10] .

وذهب صاحب الجواهر (قده) إلى القول الأول (المانع من الحلف بغير الله تعالى) حتى لغير المسلمين، بل حتى ولو كان ملحدًا وناكرًا لأصل واجب الوجود – نعوذ بالله – فضلًا عن غيره، وقال في جواهره: (( و) لا خلاف في أنه (لا يستحلف أحد) لإيجاب حق أو إسقاطه (إلا بالله) تعالى شأنه (ولو كان كافرا) بإنكار أصل واجب الوجود نعوذ بالله فضلا عن غيره، بلا خلاف أجده في ذلك نصا وفتوى قال في محكي المبسوط: « وإن كان وثنيا معطلا أو كان ملحدا يجحد الوحدانية لم يغلظ عليه، وعندي أن الوثني والملحد يستحلف بالذي يعبده ويعتقد أنه الخالق والرازق أو أنه الرازق، اعتقد وحدته أو تعدده أو بإحدى العبارتين، وإن قيل له إن الله هو الخالق الرازق واستحلف بالله ثانيا كان أولى، واقتصر على قوله: والله، فان قيل كيف حلفته بالله وليست عنده بيمين قلنا: ليزداد إثما ويستوجب العقوبة)[11] .

وعلى أي حال، فتقع المعارضة بين هاتين الطائفتين من الروايات، ويمكن أن يقال في وجه رفع التعارض عنهما بأن النسبة بينهما نسبة الاطلاق والتقييد، فإن الحلف بغير الله يضمّ الحلف بما يستحلفون به في دينهم وعدمه.

فيرُفع اليد عن المطلق بقرينة التقييد، بالنتيجة هي جواز الحلف بغير الله في كل دين بما يستحلفون به، ولا يجوز بغير ذلك.

ويرد عليه، أن الروايات الناهية مشتملة على حيثيات غير قابلة للتقيي-د، وذلك لأن صحيحة سليمان بن خالد الواردة في المجوسي واليهودي والنصراني قد عُلّل النهي فيها (لا يحلف الرجل اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله) بالآية المباركة وهي قوله تعالى:

(﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾)[12] ،

فيستفاد منه أن الحكم بين اليهود والنصارى والمجوس وبين المسلم سواء، فلا يجوز لهم الحلف بغير الله تعالى كما لا يجوز ذلك للمسلم، فيدل على أن محذور الحلف بغير الله إنما يكون من جهة أنه حلف بغير الله.

وبعضهم ذهب إلى إمكانية رفع التعارض بين الطائفتين بالقول بأن المعارضة بينهما هي من قبيل المعارضة بين النص (الروايات المجوّزة) وبين الظاهر (المانعة) فيُحمل النهي الواقع في الطائفة الأولى (المانعة) على الكراهة، بمعنى أنه يُكره للقاضي أن يحلفهم بغير الله.

ويرد عليه، بأن النصوص الوارد فيها التعليل كالنص في ذلك كما في صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة نعم لا تصل النوبة إلى التساقط عند التعارض في المقام، بل يرجع عندئذ إلى الأخذ، بالشهرة الفتوائية التي نصّت عليها مصححة عمر بن حنظلة:

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما ـ إلى أن قال: ـ فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما، واختلف فيهما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال: الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما، في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر، قال: فقلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على صاحبه، قال: فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به، المجمع عليه عند أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه ـ إلى أن قال: ـ فإن كان الخبران عنكم مشهورين، قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عرفاً حكمه من الكتاب والسنّة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة، والآخر مخالفاً لهم، بأيّ الخبرين يؤخذ؟ فقال: ما خالف العامّة ففيه الرشاد، فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالآخر، قلت: فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً؟ قال: إذا كان ذلك فارجئه حتّى تلقى إمامك، فإنَّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات)[13] .

وهذا هو الأقوى، ولعله لأجل ذلك ذهب سيدنا الأستاذ (قده) في متنه إلى القول بأنه: (الأشبه) وهو عدم الإكتفاء بالحلف بغير الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo