< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في أحكام الحلف.

مسألة (5): حلف الأخرس بالإشارة المفهمة، ولا بأس بأن تكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه، فإن شرب كان حالفاً، وإلّا الزم بالحقّ، ولعلّ بعد الإعلام كان ذلك نحو إشارة. والأحوط الجمع بينهما[1] .

وقع الكلام بين الأعلام (اعلى الله مقامهم) في كيفية حلف الأخرس في ثلاثة اقوال:

القول الأول: بأن توضع يد الاخرس على اسم الله في المصحف أو يكتب اسمه سبحانه وتوضع يده عليه إن لم يوجد المصحف وهذا القول هو ما ذكره صاحب الشرائع (قده) حيث قال: (وحلف الأخرس بالإشارة، وقيل: توضع يده على اسم الله في المصحف، أو يكتب اسم الله سبحانه وتوضع يده عليه. وقيل: يكتب اليمين في لوح ويغسل، ويؤمر بشربه بعد إعلامه. فإن شرب كان حالفا، وإن امتنع ألزم الحق، استنادا إلى حكم علي عليه الصلاة والسلام في واقعة الأخرس. ولا يستحلف الحاكم أحدا، إلا في مجلس قضائه، إلا مع العذر كالمرض المانع وشبهه، فحينئذ يستنيب الحاكم من يحلفه في منزله. وكذا المرأة التي لا عادة لها بالبروز إلى مجمع الرجال أو الممنوعة بأحد الأعذار)[2] .

ولم يرد فيه دليل وهو المنسوب إلى الشيخ الطوسي (قده) في (النهاية) حيث قال:

(وإذا أراد الحاكم أن يحلف الاخرس، حلفه بالاشارة وبالايماء إلى أسماء الله، وتوضع يده على اسم الله في المصحف وتعرف يمينه على الانكار كما يعرف إقراره. وإن لم يحضر المصحف، وكتب اسم الله تعالى، ووضعت يده عليه أيضا، جاز)[3] .

القول الثاني: تكتب صورة اليمين في لوح مثلًا، ويُغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه، فإن شربه كان حالفًا، وإن امتنع أُلزم الحق إستنادًا إلى حكم مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في واقعة الأخرس، وعليه رواية مشهورة بين الأصحاب وصحيحة سندًا رواها محمد بن مسلم عن مولانا الصادق (عليه السلام):

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأخرس، كيف يحلف إذا ادّعي عليه دين (وأنكره)، ولم يكن للمدّعي بيّنة؟ فقال: إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي بأخرس، فادّعي عليه دين، ولم يكن للمدّعي بيّنة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحمد لله الّذي لم يخرجني من الدنيا حتّى بيّنت للاُمّة جميع ما تحتاج إليه، ثمَّ قال: ائتوني بمصحف، فأتي به، فقال للأخرس، ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السماء، وأشار أنّه كتاب الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ قال: ائتوني بوليّه، فاتي بأخ له فأقعده إلى جنبه، ثمَّ قال: يا قنبر، عليَّ بدواة وصحيفة، فأتاه بهما، ثمَّ قال لأخي الأخرس: قل لأخيك هذا بينك وبينه (إنّه عليّ)، فتقدَّم إليه بذلك، ثمّ كتب أمير المؤمنين (عليه السلام): والله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم الطالب الغالب، الضارّ النافع، المهلك المدرك، الّذي يعلم السر والعلانية، إنّ فلان بن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان، أعني الأخرس حقّ، ولا طلبة بوجه من الوجوه، ولا بسبب من الأسباب، ثمَّ غسله، وأمر الأخرس أن يشربه، فامتنع، فألزمه الدين)[4] .

وقد ناقش صاحب تحرير الاحكام في دلالتها واعتبر أنها قضية واقعة لا يجوز التعدي عن نفس تلك الواقعة وتسرية الحكم إلى الموارد المشابهة.

حيث قال: (وهذه الرواية قضيّة في عين فلا تعدى، وإنّما العمل على الإشارة)[5] .

ويمكن الرد عليه، بأن الحاكي للواقعة هو الامام (عليه السلام) وأنه في مقام بيان تمام المرام، ويدل عليه سؤال محمد بن مسلم عن كيفية حلف الأخرس، مضافًا إلى قوله (عليه السلام): (حتى بيّنت للأمة جميع ما تحتاج إليه) وربما تُحمل الرواية على كون الطريقة المنصوصة في الرواية إنما هي من باب كونها إشارة مفهمة.

ولكن يمكن القول بأن الرواية وإن كانت صحيحة ومشهورة إلّا أن المشهور أعرض عن العمل بها وهو كافٍ في القدح بحجيتها وإن كانت صحيحة سندًا بل وإن كانت في أعلى مراتب الصحة.

ولذلك ذهب بعضهم إلى القول الأول كما عن الشيخ الطوسي (قده) في النهاية، وتبعه على ذلك المحقق (قده) في الشرائع.

القول الثالث: كفاية الإشارة المفهمة في حلف الأخرس، وهو الأقوى، إذ تقدم منّا أكثر من مرّة بأن إشارة الأخرس كلفظه شرعًا وعرفًا، فكما أن إشارته تكفي في جميع معاملاته وعباداته، إنشاءً، وإيقاعًا، وتكبيرة الإحرام، والتلبية بالحج وغير ذلك، فإنها تفي الإشارة ههنا بالغرض أيضًا.

نعم لا بأس بالجمع بين إشارته المفهمة وبين مفاد الرواية، بل هو الأحوط استحبابًا في ذلك.

مسألة (6): لا يشترط في الحلف العربية، بل يكفي بأيّ لغة إذا كان باسم اللَّه أو صفاته المختصّة به[6] .

وهذا هو الأقرب والأقوى، وذلك بمقتضى إطلاق الروايات الواردة في اليمين من هذه الجهة، مضافًا إلى الصدق العرفي على ذلك.


[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص302، أبواب كيفية الحكم، باب33، ح01، ط آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo