< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/07/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في أحكام الحلف.

مسألة (8): لا يجب على الحالف قبول التغليظ، ولا يجوز إجباره عليه، ولو امتنع عنه لم يكن ناكلًا، بل لا يبعد أن يكون الأرجح له ترك التغليظ؛ وإن استحبّ للحاكم التغليظ احتياطاً على أموال الناس، ويستحبّ التغليظ في جميع الحقوق إلّا الأموال، فإنّه لا يغلّظ فيها بما دون نصاب القطع[1] .

 

أما أنه لا يجب على الحالف قبول التغليظ فمع عدم وجود الدليل على ذلك، نجري أصالة عدم وجوب قبول ذلك عليه، وقد تقدم جواز الإقتصار على الحلف بالله في مورد الحلف دون زيادة على ذلك، وأما عدم جواز إجبار الحاكم على إحلافه بالتغليظ، فأيضًا لعدم الدليل على ذلك، وأصالة عدم ولاية الحاكم على إجباره جارية بلا منازع، وأما إذا امتنع عن الحلف بالتغليظ فلا يُعدُّ ناكلًا، فلأصالة عدم تحقق النكول بذلك بعد أن أتى بالحلف المطلوب شرعًا، هذا والاجماع على ذلك كلِّه.

بل لا يبعد أن يكون الأرجح له ترك التغليظ، وإن استحب للحاكم التغليظ إحتياطًا على أموال الناس وذلك لإختلاف التكليف المتوجه للحاكم عن التكليف المتوجه للحالف، فلا ملازمة بين استحبابه على الحاكم واستحبابه على الحالف، والحال أن الحلف مرجوحٌ بالنسبة للحالف بالأصل ولو كان محقًا وفيه روايات منها:

-(محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه‌ السلام) ان أباه كانت عنده امرأة من الخوارج، اظنه قال: من بني حنيفة، فقال له مولى له: يا ابن رسول الله! ان عندك امرأة تبرأ من جدّك، فقضى لأبي أنّه طلّقها، فادعت عليه صداقها، فجاءت به إلى امير المدينة تستعديه، فقال له امير المدينة: يا علي اما أن تحلف، واما ان تعطيها، فقال لي: يا بنيّ! قم فأعطها أربعمائة دينار، فقلت له: يا أبة! جعلت فداك، ألست محقا؟! قال: بلى يا بنيّ! ولكنّي أجللت الله أن أحلف به يمين صبر)[2] .

-(محمد بن عليّ بن الحسين، قال: قال أبو جعفر الباقر (عليه‌ السلام): ما ترك عبد شيئا لله عزّ وجلّ، ففقده)[3] .

وأما استحباب التغليظ للحاكم فللإحتياط على أموال الناس، ولكن التغليظ ههنا في جميع الحقوق إلّا الأموال، فإنه لا يغلّظ فيها بما دون نصاب القطع، وهو المشهور وفيه رواية:

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن نوح بن شعيب، عن حريز، أو عمّن رواه، عن حريز، عن محمّد بن مسلم وزرارة عنهما (عليهما السلام) جميعاً، قالا: لا يحلف أحد عند قبر النبي (صلّى الله عليه وآله) على أقلّ ممّا يجب فيه القطع)[4] .

بناءً على قراءة (لا يحلّف) بالتشديد.

 

مسألة (9): لا يجوز التوكيل في الحلف ولا النيابة فيه، فلو وكّل غيره وحلف عنه بوكالته أو نيابته لم يترتّب عليه أثر، ولا يفصل به خصومة[5] .

 

وذلك لظواهر الأدلة التي يستفاد منها إعتبار المباشرة للحالف في الحلف فلا يقع بالوكالة ولا النيابة لكون النيابة بالأصل هو على خلاف القاعدة إلّا ما قام الدليل عليه في الحج والعبادات الاستئجارية وقضاء الولد الأكبر عن أبيه مثلًا، بالإضافة إلى الاجماع على ذلك، وعندئذ فلو حلف النائب عن المنوب عنه، فلا يترتب الأثر على ذلك لأصالة بقاء الخصومة.

 

مسألة (10): لا بدّ وأن يكون الحلف في مجلس القضاء، وليس للحاكم الاستنابة فيه إلّا لعذر كمرض أو حيض والمجلس في المسجد، أو كون المرأة مخدّرة حضورها في المجلس نقص عليها، أو غير ذلك، فيجوز الاستنابة. بل الظاهر عدم جواز الاستنابة في مجلس القضاء وبحضور الحاكم، فما يترتّب عليه الأثر-في غير مورد العذر- أن يكون الحلف بأمر الحاكم واستحلافه[6] .

 

أما قضية لا بدّيّة أن يكون الحلف في مجلس القضاء، وأنه ليس للحاكم أن يستنيب شخصًا للحلف، فذلك لما عرفت في المسألة السابقة من كون النيابة والاستنابة مطلقًا على خلاف القاعدة، ولا تصح إلا بدليل كما في الحج واستئجار العبادات، وقضاء الولد عن أبيه في صومه وصلاته، ولا دليل في مقامنا يخرجه عن أصل القاعدة، هذا مضافًا إلى كون الاستحلاف والإحلاف من وظيفة القاضي التي به (الحلف) يفصل بين المتخاصمين ويؤيده المستفيضة المشتملة على الشكوى من نبي من الأنبياء إلى الله تعالى من القضاء بما لم تر العين ولم تسمع الأذن مثال: (اقضي بينهم بالبينات وأضفهم إلى إسمي يحلفون به) وهو ظاهر في المباشرة بنفسه.

فكما أنه لا يجوز للحاكم أن يستنيب غيره للحكم، كذلك لا يجوز الاستينابة ببعض خصوصيات وظيفة القاضي في الحكم كالإستحلاف والإحلاف.

نعم، فإن الموظفين برتبة القضاء في زماننا غير الواجدين لإجتهاد المطلق فليس لهم إعمال آرائهم الشخصية، بل عليهم إجراء المصّوبات، أو الرجوع إلى فتوى مجتهد خاص.

وأما قضية جواز الإستنابة لعذر، كمرض، أو حيض إذا كان مجلس القضاء في المسجد، أو كون المرأة مخدّرة ويلحق بها النقص إذا حضرت مجلس الرجال، أو غير ذلك من الأعذار، جازت عندئذ الإستنابة، وذلك للابدّية فصل النزاع بين المتخاصمين، ولا يتحقق ذلك إلا بالإستنابة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo