< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في أحكام الحلف.

 

مسألة (11): يجب أن يكون الحلف على البتّ؛ سواء كان في فعل نفسه أو فعل غيره، وسواء كان في نفي أو إثبات، فمع علمه بالواقعة يجوز الحلف، ومع عدم علمه لا يجوز إلّا على عدم العلم[1] .

 

الحلف إما أن يكون في فعل نفسه، أو أن يكون في فعل غيره وفي الأول يجوز الحلف مطلقًا نفيًا أو إثباتًا. لأن الانسان مطّلع على ذاته، ويعرف ما في نفسه، وأما الثاني فلا يجوز له الحلف، إلا إثباتًا لما رآه وإطّلع عليه منه، ولا يكون الحلف إلا بتًّا عن علم ودراية، ويدل عليه روايات عديدة منها:

-(محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال: لا يحلف الرجل الا على علمه)[2] .

-(عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام)، قال: لا يحلف الرجل الا على علمه)[3] .

هذا لأجل أن الحلف تأكيد وتثبيت للمحلوف عليه، ولا يتحقق التأكيد ولا التثبيت في غير المعلوم الثابت بتًا وقطعًا.

نعم يجوز للحالف أن يحلف بتًا على عدم علمه بالواقعة المدّعاة، لأن حلفه على عدم العلم مع عدم علمه يكون بتّيًا، وقد تقدم ذلك في مسألة ما لو ادعى المدّعي علم المنكر بالواقعة، وأنكر المدّعى عليه العلم، فيجوز له الحلف على عدم العلم، ويكون الحلف عندئذ بتّيًا.

 

مسألة (12): لا يجوز الحلف على مال الغير أو حقّه -إثباتاً أو إسقاطاً- إذا كان أجنبيّاً عن الدعوى، كما لو حلف زيد على براءة عمرو. وفي مثل الوليّ الإجباري أو القيّم على الصغير أو المتولّي للوقف تردّد، والأشبه عدم الجواز[4] .

 

في هذه المسألة أمران:

الأول: في عدم جواز الحلف على مال الغير أو حقّه – إثباتًا أو إسقاطًا – إذا كان أجنبيًا عن الدعوى.

وهذا مما لا خلاف فيه، وأنه بوضوحه والتسالم عليه، يُغني عن الاستدلال عليه، وذلك لأن حكم الحلف يحتاج إلى موضوع، والموضوع للحلف إنما هو أخذ المتخاصمين في دعواهما لإثبات حق أو نفيه بما يخصّ الحالف دون سواه وهو منتفٍ في المقام، وعليه فلا أثر يترتب على حلف الأجنبي.

الثاني: في حكم حلف الوليّ الإجباري أو القيّم على الصغير أو المتوليّ للوقف.

فقد تردد سيدنا الأستاذ (قده) في ذلك من جهة الجواز وعدمه، ثم قال: (الأشبه عدم الجواز) وربما منشأ التردد عنده (قده) أما من جهة عدم جواز حلفه في المقام، فلأجل أنه حلف على مال الغير أو حقه، فلا يؤثر حلفه لما تقدم في الأمر الأول، وأما من جهة الجواز فالوليّ والقيّم والمتولي كل واحد منهم يُعتبر طرفًا في الدعوى وله الولاية على أموال المتولىّ عليهم وحقوقهم ولكن يمكن القول بصحة حلف الوليّ والقيّم والمتوليّ لصدق عنوان (المدّعى عليهم) عرفًا من جهة، ولشمول دليل ولايتهم على المدافعة عمّا وُلوُّا عليها، وعندئذ يتحقق الأثر بعد أن صار مورد ولايتهم موضوع الخصومة مع غيرهم وإحتاج رفعها إلى حلفهم، خصوصًا لما تقدم من جواز حلف الوصيّ إذا شهد بدين على الميت فراجع.

 

مسألة (13): تثبت اليمين في الدعاوي المالية وغيرها كالنكاح والطلاق والقتل، ولا تثبت في الحدود فإنّها لا تثبت إلّا بالإقرار أو البيّنة بالشرائط المقرّرة في محلّها، ولا فرق في عدم ثبوت الحلف بين أن يكون المورد من حقّ اللَّه محضاً كالزنا، أو مشتركاً بينه وبين حقّ الناس كالقذف، فإذا ادّعى عليه أنّه قذفه بالزنا فأنكر لم يتوجّه عليه يمين، ولو حلف المدّعي لم يثبت عليه حدّ القذف. نعم، لو كانت الدعوى مركّبة من حقّ اللَّه وحقّ الناس كالسرقة فبالنسبة إلى حقّ الناس تثبت اليمين، دون القطع الذي هو حقّ اللَّه تعالى[5] .

 

لا إشكال ولا ريب في ثبوت اليمين في الدعاوى المالية كالدين والضمانات وغيرها كالنكاح والطلاق والقتل، وذلك لما تقدم من العمومات والاطلاقات وظهور الاتفاق على ذلك.

كما لا إشكال في عدم ثبوت الحلف في الحدود إلّا بالإقرار أو البيّنة، وقد تقدم الدليل على ذلك في كتابنا (القصاص) وعليه الروايات منها:

-(محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد ابن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) ـ في حديث ـ إن أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) قال: لا يمين في حد، ولا قصاص في عظم)[6] .

-(أحمد بن محمد بن عيسى في (نوادره) عن أبيه، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) إن أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) قال: لا يمين في حد، ولا قصاص في عظم)[7] .

وأيضًا

-(محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال: أتى رجل أميرالمؤمنين (عليه‌ السلام) برجل، فقال: هذا قذفني، ولم تكن له بينة، فقال: يا أميرالمؤمنين، استحلفه، فقال: لا يمين في حد، ولا قصاص في عظم)[8] .

مضافًا إلى الاجماع على ذلك.

واطلاقات الأدلة يشمل المورد المختص بحق الله تعالى كالزنا وشرب الخمر، والمشترك بينه وبين حق الناس كالقذف مثلًا.

هذا مع حقوق الله تعالى الخاصة به أو المشتركة إنما هي مبنيّة على التخفيف والتسهيل على عباد الله تعالى كما تقدم.

وعليه فلو أُدعي أنه قذفه بالزنا، فأنكر لم يتوجّه عليه اليمين فإن إنكاره يوجب شبهة في المقام، وقد ورد عن نبيّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله):

-(محمد بن عليّ بن الحسين، قال: قال رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله): ادرأوا الحدود بالشبهات، ولا شفاعة، ولا كفالة، ولا يمين في حد)[9] .

نعم هناك بعض الحقوق المشتركة كالسرقة مثلًا، فقد وقع الكلام بين الاعلام (اعلى الله مقامهم) في أيّ الجانبين يقدّم على الآخر حيث إنه يجتمع فيه حد القطع بالشرائط المعتبرة فيه، وفيه الغرامة المالية عينًا أو مثليًا أو قيميّاً وهذا من حقوق الناس.

وهنا لا نجد تنافيًا بين الحقين، فيعمل بكل واحد من الحكمين، فلا يجري اليمين في الأول دون الثاني كما هو واضح.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo