< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

القول: في أحكام اليد.

مقدمة:

لا بأس إبتداءً وقبل التعرض للمسائل المبحوث عنها في أحكام اليد من ذكر بعض الأمور المتعلقة في قاعدة اليد بإختصار، على أن يُرجع إليها في محلها.

1 – إن قاعدة اليد يُبحث عنها في المعاملات لموردها فيها إستنادًا لما ذكر عن نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (راجع كتابنا القواعد الفقهية).

هذا من جهة ويبحث عنها أيضًا في بحثنا هنا (القضاء) من جهة ثانية، وهذا سيأتي مفصلًا في طي المسائل الآتية.

2 – إن معنى (اليد) ههنا هو كناية عن الاستيلاء الواقعي والسلطة الخارجية عن المفهوم العرفي لها، وعليه فالمراد من اليد في كل من الموردين (المعاملات والقضاء) معنى واحد، من استولى على مال الغير يجب ردّه إليه، ومن استولى على مال فهو له إلا أن يدل دليل معتبر على خلافه.

وهذاه لها مراتب مختلفة بإختلاف الأشخاص والاشياء، فإنك عندما تحتوي شيئًا أو نحوطه فهو محكوم بملكيتك له ما لم تقم الحجة المعتبرة على خلافه، فمعنى الاحتواء والاستيحاط في اليد على أشكال متفاوتة كثيرًا، كالخاتم في إصبعه والدرهم في جيبه والدنانير في صندوقه، والأشجار في بستانه، والثوب الملبوس أو في حوزته، والدار الساكن فيه أو المتسلط عليه، والأرض والدكان وغير ذلك بمعنى آخر وهكذا، وكل ذلك يكون أمارة على الملكية.

وبعبارة ثانية، فإن المراد من اليد بمعنى الاستيلاء الخارجي بحسب المفهوم العرفي لها، ويخرج منها الاستيلاء على مال الآخرين غصبًا وعدوانًا، وذلك لأن معنى اليد الموضوعة في القاعدة وإماريتها هو الاستيلاء على أمر مشكوك الملكية لكون الأمارة إنما هو بالإضافة إلى موارد الشك، دون العلم بملكية الآخر لها.

3 – الكلام في الدليل عليها.

يمكن الاستدلال على هذه القاعدة بالأدلة الآتية:

أ – السيرة العامة بين الناس، مسلمين وغيرهم، بل كافة العقلاء سواءٌ أكان متدينين أم، لا وهو بناءٌ عقلائي عام يعمل عليه الناس بما هم عقلاء من كافة الشرائع والاتجاهات الفكرية والدينية وغيرها، وبما أنه لم يرد الردع من الشارع في هذا الامر العام على كثرة الابتلاء به، فإن عدم الردع كافٍ لإمضائه من الشارع.

ب -الاجماع.

ولكن هذا الاجماع وإن كان متسالمًا عليه لا بأس فيه، إلا أنه لا يصلح أن يكون دليلًا بذاته بمعزل عن الأدلة الأخرى إذ يحتمل أن يكون منشأ الأدلة الأخرى، وخاصة الرواية . . .

ج - ويمكن الاستدلال على قاعدة اليد بروايات عديدة بمعزل عن كون البعض منها يستفاد منها أنها أصل أو أمارة، ومنها موثقة يونس بن يعقوب:

-(عن عليِّ بن الحسن، عن محمد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في امرأة تمُوت قبل الرجل، أو رجل قبل المرأة، قال: ما كان من متاع النساء فهُو للمرأة، وما كان من متاع الرجال والنساء فهُو بينهما، ومن استولى على شيء منهُ فهو له)[1] .

ولا إشكال في سندها بعد كونها موثقة عند الجميع، كما لا اشكال في دلالتها على أن الاسنيلاء واليد طريق إلى ثبوت الملك، وحكم الامام (عليه السلام) بإختصاص متاع النساء بهنّ إنما هو لأجل كون ذلك أمارة على يدها، وكذلك فإن حكم الامام (عليه السلام) بإختصاص متاع الرجال بهم، إنما هو لأجل كون ذلك أمارة على أيديهم، وما كان مشتركًا بينهم فهو لأجل ثبوت اليد لهما فيقسم عليهما بالتناصف، ومن ثم نرى بأن الامام (عليه السلام) يعطي قاعدة عامة لذلك بقوله (عليه السلام): (ومن استولى على شيء منه فهو له). وهذا واضح في الدلالة على أن الاستيلاء دليل على الملكية.

ومنها صحيحة محمد بن مسلم:

-(محمد بن يعقوب، عن عليّ، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام )، قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها، فالذي وجد المال أحقّ به)[2] .

ومنها رواية جميل بن صالح:

-(محمد بن يعقوب، عن عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمد جميعاً، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل وجد في منزله ديناراً، قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير، قال: هذا لقطة، قلت: فرجل وجد في صندوقه ديناراً، قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره، أو يضع فيه شيئاً؟ قلت: لا، قال: فهو له)[3] .

ومنها رواية مسعد بن صدقة:

-(عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي أُختك أو رضيعتك، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة)[4] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo