< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

 

القول: في أحكام اليد.

مسألة (4): لو تنازعا في عين -مثلًا- فإن كانت تحت يد أحدهما فالقول قوله بيمينه، وعلى غير ذي اليد البيّنة. وإن كانت تحت يدهما فكلّ بالنسبة إلى النصف مدّع ومنكر؛ حيث إنّ يد كلّ منهما على النصف. فإن ادّعى كلّ منهما تمامها يطالب بالبيّنة بالنسبة إلى نصفها، والقول قوله بيمينه بالنسبة إلى النصف. وإن كانت بيد ثالث فإن صدّق أحدهما المعيّن يصير بمنزلة ذي اليد، فيكون مُنكراً والآخر مدّعياً، ولو صدّقهما ورجع تصديقه بأنّ تمام العين لكلّ منهما، يلغى تصديقه ويكون المورد ممّا لا يد لهما. وإن رجع إلى أنّها لهما -بمعنى اشتراكهما فيها- يكون بمنزلة ما تكون في يدهما. وإن صدّق أحدهما لا بعينه لا تبعد القرعة، فمن خرجت له حلف. وإن كذّبهما وقال: هي لي تبقى في يده ولكلّ منهما عليه اليمين. ولو لم تكن في يدهما ولا يد غيرهما ولم تكن بيّنة فالأقرب الاقتراع بينهما‌[1] .

في المسألة عدّة صور تتحدث عن حالة النزاع في شيء بين إثنين.

1- الأولى: إما أن تكون العين المتنازع عليها تحت يد أحدهما دون الآخر فالقول قوله بيمينه، وعلى غير ذي اليد البيّنة.

وذلك لأن غير ذي اليد يعدُّ مدعيًا عرفًا، بخلاف ذي اليد فإنه يعدُّ منكرًا، ومقتضى عموم الأدلة أن البيّنة على المدّعي، واليمين على مَن أنكر لقوله (صلى الله عليه وآله): (البيّنة على من ادعى واليمين على من أنكر) كما في رواية هشام:

-(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن جميل، وهشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى، واليمين على من ادّعي عليه)[2] .

ومن الواضح أن ذا اليد هو المنكر فيُقبل قوله مع يمينه، ويجري ذلك أيضًا فيما لو أقاما البيّنة جميعًا، فتسقط بيّنة كل من المدّعي والمنكر لتعارضهما فالقول قول ذي اليد لأنه المنكر.

2 – الثانية: وإما أن تكون العين تحت يد كل واحد منهما، فيكون كل واحد منهما بالنسبة إلى النصف مدّع ومنكر، حيث إن يد كلُّ منهما على النصف، فإن ادعى كل منهما تمامها يُطالب بالبيّنة بالنسبة إلى نصفها، والقول قوله بيمينه بالنسبة إلى النصف.

وهذا هو مقتضى القواعد المقرّرة المتقدمة، فإن كل واحد منهما يملك النصف الذي تحت يده، ويدّعي ملكية النصف الآخر الذي تحت يد غيره، وعليه فيكون كل واحد مدّع ومدعى عليه، فإذا أثبت ملكيته للنصف الثاني بالبيّنة أخذه وإلا فيحلف المدعى عليه ويكون له، وهكذا الحال بالنسبة للشخص الآخر، فالقول قوله مع يمينه إذا لم يأت المدّعي بالبيّنة عليه.

وإذا أقاما البيّنة جميعًا على ملكية النصف الثاني فتنتقل النوبة إلى التحالف، فإذا حلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف فإنه يُقضى بها للحالف، وهذا ما دلت عليه بعض النصوص الصريحة والخاصة في هذا المقام ومنها:

-(عن محمّد بن أحمد، عن الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنَّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في دابّة في أيديهما، وأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنها نتجت عنده، فأحلفهما عليٌّ (عليه السلام)، فحلف أحدهما، وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما، وأقاما البيّنة؟ فقال: أحلفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين، قيل: فإن كانت في يد أحدهما، وأقاما جميعاً البيّنة؟ قال: أقضي بها للحالف الّذي هي في يده)[3] .

3 – الثالثة: وأما لو كانت العين المتنازع عليها بيد شخص ثالث، فإن صدَّق أحدهما المعين يصير بمنزلة ذي اليد فيكون منكرًا والآخر مدعيًا.

وذلك لجريان مقتضى القواعد من أن قول ذي اليد حجة فلو قال بأن العين لأحدهما فيصير بذلك ذا يد عليها فهو منكر وعلى الآخر أن يقيم البيّنة على أنها له، فمع عدمها يكفي حلف المنكر لثبوتها له.

4 – الرابعة: ولو صدّقهما معا ورجع تصديقه بأن تمام العين لكل منهما يُلغى تصديقه ويكون المورد مما لا يد لهما، وإن رجع إلى أنها لهما بمعنى إشتراكهما فيها يكون بمنزلة ما تكون في يدهما.

أما لو صدَّق ذو اليد كلا المتنازعين، وقال بأنه لهما، فهذا له صورتان:

أ – تارة يكون تصديقه راجعًا إلى تمام العين لكل منهما على نحو الاستقلال لشيء واحد في عرض واحد.

ب – وطورًا يكون تصديقه راجعًا إلى أن العين لهما على نحو الاشتراك فيها.

فأما الصورة الأولى فإن تصديقه ملغى، ولا يد لأحدهما عليها، وذلك لما تقدم من عدم إمكان اجتماع مالكين إستقلاليين على شيء واحد وفي زمان واحد، وعليه فيكون المورد ممّا لا يد لهما عليه، وذلك لكونه لازم سقوط تصديقه لهما.

وأما الصورة الثانية (رجوع تصديقه إلى أنها لهما) بمعنى اشتراكهما في العين، فإن الحال هو أنها في يدهما بناءً على أن ذا اليد إذا إعترف بكون ما في يده ملكًا لغيره المدّعي.

5 – الخامسة: وإن صدَّق ذو اليد أحدهما لا بعينه، فقد ذهب سيدنا الأستاذ (قده) إلى عدم البعد في تعيّن القرعة، وأنه يحلف من خرجت القرعة له.

فأما تعيّن القرعة في المقام وذلك لكونها لكل أمر مشكل أو مشتبه، وأما أنه يحلف إذا خرجت القرعة له، وذلك لأنه بعد القرعة يصبح ذا يد، وعليه فيكون منكرًا والمنكر يُقبل قوله بيمينه.

6 – السادسة: وأما ذو اليد إذا كذَّبهما وقال: (هي لي) تبقى في يده ولكل منهما عليه اليمين.

وهذا مقتضى القاعدة في المدّعي والمنكر، فذو اليد منكرٌ، ويكون كل واحد منهما مدّعيًا، فلكل واحد منهما حكمه، فمع عدم البيّنة لهما، فإنهما يطالبانه باليمين لكل واحد منهما.

7 – السابعة: وأما إذا لم تكن العين في يدهما، ولا في يد غيرهما، ولم تكن بيّنة، وهنا اختلف الفقهاء (اعلى الله مقامهم) في حكم هذه المسألة في المقام، وذهبوا إلى اقوال فمنهم من قال بالقرعة كما في متن سيدنا (قده) وذلك لكونها لكل أمر مشكل أو مشتبه ومنهم من قال بالتنصيف، وذلك لأنها لهما دون غيرهما ولا ترجيح لأحدهما على الآخر، ومنهم من ذهب إلى أن المسألة داخلة في قاعدة المدّعي والمنكر، فمن أتى بالبيّنة كانت له ومع عدمها فالحلف، فلو حلف الإثنان تُنصّف بينهما.

ولكن حيث إنه لا دليل لأحد الاقوال في مقامنا ههنا، فإنه وإن كانت القرعة هي أقرب الاقوال كما اختاره سيدنا (قده)، ولكن التصالح هو الأحوط، والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo