< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/08/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء.

 

القول: في أحكام اليد.

مسألة (5): إذا ادّعى شخص عيناً في يد آخر وأقام بيّنة وانتزعها منه بحكم الحاكم، ثمّ أقام المدّعى عليه بيّنة على أنّها له، فإن ادّعى أنّها فعلًا له وأقام البيّنة عليه، تنتزع العين وتردّ إلى المدّعي الثاني، وإن ادّعى أنّها له حين الدعوى وأقام البيّنة على ذلك، فهل ينتقض الحكم وتردّ العين إليه أو لا؟ قولان، ولا يبعد عدم النقض[1] .

في المسألة صورتان:

الأولى: وهي فيما لو ادعى زيد مثلًا عينًا في يد عمرو وأقام البيّنة على ملكيته لها، وانتزعها منه بحكم الحاكم، ثم أقام المدّعى عليه بيّنة على أنها له، فإن كانت دعواه أن العين فعلًا له وأقام البيّنة على ذلك، فإن العين تنتزع من الأوّل وتُرد إلى الثاني.

فإن التأمل بالمقام يُفضي إلى عدم وجود المعارضة بين البيّنتين، وذلك لوجود بيّنة ثانية بعد الأولى من الآخر، وعليه فلا موضوع للمعارضة، مع إمكان إختلاف الملكين، لإمكان إنتقالها إليه بوجه من وجوه الانتقال الشرعية بعد ما لم تكن ملكًا له.

الثانية: وهذه الصورة هي في أن يدّعي أن العين له حين الدعوى وأقام البيّنة على ذلك، وفي المسألة وجوه وأقوال ذكرها الاعلام (اعلى الله مقامهم) وليس فيها ما يمكن الاعتماد عليه لعدم ذكر الدليل المعتبر.

وما يمكن قوله في المسألة، أن هناك تعارضًا في البيّن ولا يمكن إجتماعهما، ولا بد من تقديم إحداهما على الأخرى، وعليه فالسؤال هو أنه هل يُنقض الحكم الأوّل وتُرد العين إليه أو، لا؟

فقد ذهب الشيخ الطوسي (قده) في مبسوطه إلى النقض حيث قال: (وأقام عمرو البينة أن حاكما من الحكام حكم بها له على زيد وسلمها إليه، قال بعضهم ينظر في حكم ذلك الحاكم الذي حكم بها لعمرو على زيد، كيف وقع؟ فان قال عمرو: لي وكانت في يد زيد فأقمت البينة أنها ملكي فقضى لي بها عليه، لأنه إنما كان له بها يد دون البينة، نقض حكمه به لعمرو، وردت إلى زيد، لأنه قد بان أنه كان لزيد يد وبينة ولعمرو بينة بلا يد فهي كالتي قبلها سواء .وإن قال عمرو أقمت بها بينة وأقام زيد بها بينة، وكانت بينتي عادلة وبينة زيد فاسقة، فردها بالفسق، وقضى بها لي عليه، وقد أعاد زيد تلك الشهادة لم يتغير ينقض الحكم ههنا، لأنه قد حكم بها لعمرو بالبينة العادلة، وقد أعاد زيد شهادة الفاسق، والفاسق إذا ردت شهادته في مكان وفي قضية ثم عدل وشهد وأعاد تلك الشهادة لم يقبل منه للتهمة كذلك ههنا).[2]

نظرًا إلى أن المدّعي الثاني تعارض بيّنته مع بينة أخرى، وحيث إنه تكون بيّنته بيّنة الداخل، تكون متقدمة على بيّنة الخارج وهي بيّنة زيد، لأن المفروض أن العين كانت في يد عمرو.

وذهب المحقق في شرائعه: الأولى أنه لا يُنقض الحكم الأوّل، وتبقى العين في يد زيد الذي إنتزعها من يد عمرو بحكم الحاكم، والوجه في عدم النقض تقديم بيّنة الخارج.

وذهب صاحب الجواهر (قده) إلى أن بناء الحكم على الدوام للأصل المؤيد بالحكمة وظاهر الأدلة حيث قال: (المسألة (الخامسة:) (لو ادعى) زيد (شاة في يد عمرو وأقام بينة فتسلمها ثم أقام) عمرو (الذي كانت في يده بينة أنها له) بالملك السابق الذي انتزعه منه زيد (قال الشيخ: ينقض الحكم وتعاد) الشاة إلى عمرو (وهو بناء على القضاء لصاحب اليد) فإنه قد كان عمرا (والأولى أنه لا ينقض) حتى لو قدمنا بينة ذي اليد، إلا أنه خرجت من يده بحكم الحاكم ولو لعدم حضور بينته التي كانت نافعة له لو أقامها حال إقامة زيد بينته لا بعد انقطاع الخصومة وحكومة الحاكم المبنية على الدوام للأصل المؤيد بالحكمة وظاهر الأدلة، بل لو قلنا بكونه الآن خارجا لم تسمع بينته أيضا بعد أن علم أن شهادتها بالملكية السابقة التي كانت مقتضى اليد، لما عرفته من انقطاع الخصومة فيها، فلا تسمع حينئذ دعوى تتعلق بها على وجه لا توجب يمينا فضلا عن قبول بينة بها، نعم لو أقامها‌ على انتقال جديد ممن انتزعها سمعت بلا خلاف ولا إشكال، بل لا يبعد القول بسماعها مع الإطلاق المحتمل لذلك، لعموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « البينة » وما دل على قبول شهادة العدل وغير ذلك. ومما ذكرنا يعلم النظر في ما في المسالك من وجوه، فلاحظ وتأمل)[3] .

وعلى أيّ حال، فعودٌ على بدء:

وهو أن محور المسألة في كون البيّنتين متعارضتين ولا يمكن الجمع بينهما لإعطاء الحل بلا خلاف.

فقد عرفت مما تقدم في كلمات الفقهاء (اعلى الله مقامهم) أنهم جعلوا مسألة تعارض البيّنتين في تصورهم لها أن التعارض بين بيّنة الداخل وبين بيّنة الخارج، ولذلك بعضهم قال بتقديم بيّنة الداخل كما عرفت في مبسوط الشيخ الطوسي (قده) وقال آخر كالمحقق في شرائعه (قده) بتقديم بيّنة الخارج بدليل أن البيّنة وظيفة المدّعي واليمين وظيفة المنك2ر والمدّعي هو الخارج ههنا والمنكر هو صاحب اليد والبّيّنة مطلوبة من المدّعي بالأصل ويرّد غيرها لأنها لم تطلب منه بالأصل. وسيأتي الكلام مفصلًا عن هذه المسألة في المسألة (8).

ولذلك يمكن إرجاع المسألة ههنا إلى مقتضى القاعدة المستفادة من قول النبي (صلى الله عليه وآله) بأن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر.

وعليه فلا ينبغي الاشكال في حجية بيّنة زيد في دعواه الأولى حيث كان هو المدّعي، وبما أن القاضي قد حكم له وإنتزعها من الآخر وإرتفع النزاع لأجل حجية بيّنته بعنوان كونه مدعيًا، وحجية بيّنته غير مشروطة بما إذا لم يأت المدّعى عليه ببيّنة ولو لاحقًا، وإلا فلا يجوز للقاضي الحكم لعدم إحراز الشرط.

وعليه فالحكم الأوّل تامّ لا إشكال فيه، ولذا اختار سيدنا الأستاذ (قده) عدم البعد بعدم النقض.

ولكن مع هذا كله فالأحوط التراضي وذلك لإشتباه القضية بوجه لا يكون أحد الرأيين أرجح من الآخر.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo