< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

45/09/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القضاء

 

القول: في أحكام اليد.

تابع مسألة (8): لو تعارضت البيّنات في شي‌ء، فإن كان في يد أحد الطرفين، فمقتضى القاعدة تقديم بيّنة الخارج ورفض بيّنة الداخل؛ وإن كانت أكثر أو أعدل وأرجح. وإن كان في يدهما فيحكم بالتنصيف بمقتضى بيّنة الخارج وعدم اعتبار الداخل. وإن كان في يد ثالث أو لا يد لأحد عليه، فالظاهر سقوط البيّنتين‌ والرجوع إلى الحلف أو إلى التنصيف أو القُرعة. لكن المسألة بشقوقها في غاية الإشكال من حيث الأخبار والأقوال، وترجيح أحد الأقوال مشكل وإن لا يبعد في الصورة الاولى ما ذكرناه[1]

 

رواية حمران بن أعين:

-(عن سهل بن زياد، وعن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب عن حمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن جارية، لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة، ادّعى الرجل أنّها مملوكة له، وادّعت المرأة أنّها ابنتها فقال: قد قضى في هذا عليٌّ (عليه السلام) قلت: وما قضى في هذا؟ قال: كان يقول: الناس كلّهم أحرار، إلاّ من أقرّ على نفسه بالرقّ، وهو مدرك، ومن أقام بيّنة على من ادّعى من عبد أو أمة، فإنّه يدفع إليه، ويكون له رقّاً، قلت: فما ترى أنت؟ قال: أرى أن أسأل الّذي ادّعى أنّها مملوكة له بيّنة على ما ادّعى، فان أحضر شهوداً يشهدون أنّها مملوكة، لا يعلمونه باع ولا وهب، دفعت الجارية إليه، حتّى تقيم المرأة من يشهد لها أنَّ الجارية ابنتها حرّة مثلها، فلتدفع إليها، وتخرج من يد الرجل، قلت: فإن لم يقم الرجل شهوداً أنّها مملوكة له؟ قال: تخرج من يده، فإن أقامت المرأة البيّنة على أنّها ابنتها دفعت اليها، فان لم يقم الرجل البيّنة على ما ادّعى، ولم تقم المرأة البيّنة على ما ادّعت خلّي سبيل الجارية، تذهب حيث شاءت)[2] .

رواية السكوني:

-(عن عليّ، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجلين ادّعيا بغلة، فأقام أحدهما شاهدين، والآخر خمسة، فقضى لصاحب الشهود الخمسة خمسة أسهم، ولصاحب الشاهدين سهمين)[3] .

رواية الحلبي:

-(عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجلين شهدا على أمر، وجاء آخران فشهدا على غير ذلك، فاختلفوا، قال: يقرع بينهم، فأيّهم قرع فعليه اليمين، وهو أولى بالحقّ)[4] .

رواية سماعة:

-(عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: إنَّ رجلين اختصما إلى عليّ (عليه السلام) في دابّة، فزعم كلّ واحد منهما أنّها نتجت على مذوده وأقام كلّ واحد منهما بيّنة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين، فعلّم السهمين كلّ واحد منهما بعلامة، ثمَّ قال: « اللّهمَّ ربّ السماوات السبع، وربّ الأرضين السبع، وربّ العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، أيّهما كان صاحب الدابة، وهو أولى بها، فأسالك أن (يقرع، و) يخرج سهمه » فخرج سهم أحدهما، فقضى له بها)[5] .

رواية عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي:

-(عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن عليِّ بن محمّد، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود، عن عبد الوهّاب بن عبد الحميد الثقفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول في رجل ادّعى على امرأة أنّه تزوّجها بوليّ وشهود، وأنكرت المرأة ذلك، فأقامت اُخت هذه المرأة على (رجل آخر) البيّنة، أنه تزوّجها بوليّ وشهود، ولم يوقّتا وقتاً، أنَّ البيّنة بيّنة الزوج، ولا تقبل بيّنة المرأة، لأنَّ الزوج قد استحقّ بضع هذه المرأة، وتريد اُختها فساد النكاح، فلا تصدّق، ولا تقبل بيّنتها إلاّ بوقت قبل وقتها، أو دخول بها)[6] .

(وهذه الرواية الأخيرة مذكورة في كتاب تهذيب الاستبصار ولكن بدل رجل آخر هذا الرجل على الآخر).

اتضح من جملة هذه الطوائف من الاخبار الاختلاف الواسع في مدلولاتها وعليه فلا يمكن العمل بكل رواية بمعزل عن بقية الروايات، وعندئذ فلا بد من إسقاط الروايات الضعيفة، أو التي أعرض عنها المشهور، ثم نعالج ما تبقى منها بأن نردّ بعضها إلى بعض، ونعمل على الأخذ بمقيدات المطلقات، وإرجاع المتشابهات منها إلى محكماتها، ثم نأخذ بالمتحصّل من مجموعها، وهذا هو الديدن المعمول عليه في الجمع بين الاخبار المتعارضة في شتى الأبواب الفقهيّة.

هذا مع الأخذ بعين الاعتبار إمكان حمل إختلاف الروايات على إختلاف الخصوصيات بالموضوعات المتعدّدة التي ليس لها ضابطة كلية، وحينئذ يمكن القول بسقوط هذه الروايات عن الاستدلال في كل مورد على حدى.

وما لا بد منه قبل إتضاح الحال في تحديد الحكم من تبيين بعض الأمور:

1 – ذهب المشهور من الفقهاء (اعلى الله مقامهم) إلى تقديم بيّنة الخارج (وهي بيّنة غير المتشبث بها) على بيّنة الداخل (وهي بيّنة ذي اليد المتشبث بها).

واستدلوا بالاجماع كما عن الغنية غنية النزوع حيث قال: (ولا يجوز الحكم إلا بما قدمناه من علم الحاكم أو ثبوت البينة على الوجه الذي قرره الشرع، أو إقرار المدعى عليه، أو يمينه، أو يمين المدعي، دون ما سوى ذلك، مما لم يرد التعبد بالعمل به، من قياس أو رأي واجتهاد أو كتاب حاكم آخر إليه، وإن ثبت بالبينة كتابه أو قوله مشافهة له: ثبت عندي كذا، بدليل إجماع الطائفة وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾، وإذا حكم بما ذكرناه تيقن براءة ذمته مما تعلق بها من الحكم بين الخصمين، وليس كذلك إذا حكم بما خالفه)[7] .

والسرائر حيث قال: (وجملة القول في ذلك، وعقد الباب، أن نقول: إذا تنازعا عينا، وهي في يد أحدهما، وأقام كل واحد منهما بينة، بما يدّعيه من الملكية، انتزعت العين من يد الداخل، وأعطيت الخارج، وكانت بينة الخارج أولى، وهي المسموعة، سواء شهدت بينة الداخل بالملك بالإطلاق، أو بالأسباب، بقديمه، أو بحديثه، كيف ما دارت القصة، فإنّ بينة الخارج أولى على الصحيح من المذهب، وأقوال أصحابنا، ولقوله (عليه السلام) المجمع عليه من الفريقين، المخالف والمؤالف، المتلقى عند الجميع بالقبول، وهو: البينة على المدّعي، واليمين على المدّعى عليه، فقد جعل (عليه السلام)، البينة في جنبة المدّعى بغير خلاف)[8] .

والمبسوط حيث قال: (أما بينة الخارج فإذا شهدت بالملك المطلق سمعت، وإن شهدت بالملك المضاف إلى سببه فأولى أن يقبل، وأما بينة الداخل، فان كانت بالملك المضاف إلى سببه، قبلناها، وإن كانت بالملك المطلق، قال قوم لا يسمعها، وقال آخرون مسموعة، والأول مذهبنا، لانه يجوز أن يكون شهدت بالملك لأجل اليد، واليد قد زالت ببينة المدعي.

فإذا تقرر هذا، فكل موضع سمعنا بينة الداخل، قضينا للداخل بلا خلاف قال قوم يستحلف مع ذلك، وقال آخرون: لا يستحلف، وهو الأقوى وأصل ذلك تعارض البينتين، فان منهم من قال يسقطان ومنهم من قال يستعملان)[9] .

بالإضافة إلى الشهرة من حيث الفتوى التي هي اول المرجحات في الاخبار المتعارضة المستفادة من مقبولة عمرو بن حنظلة المتقدمة. ولعل هذا ما جعل سيدنا الماتن (قده) من نفي البعد في تقديم بيّنة الخارج على بيّنة الداخل.

وفي قبال هذا اقوال مختلفة أنهاها المحقق النراقي (قده) إلى تسعة اقوال أو أزيد، منها تقديم بيّنة الداخل مطلقًا ومنها تقديم الخارج على الداخل إلا بإنفراد الداخل بذكر السبب، ومنها تقديم الداخل مطلقًا إلا بإنفراد الخارج بذكر السبب، ومنها تقديم الأكثر شهودًا ومع التساوي فالحالف منهما. ومنها تقديم بيّنة الخارج مطلقًا من غير الرجوع إلى المرجحات كما في مستند الشيعة حيث قال: (المسألة الثانية: يتسلّط المدّعي على المنكر حلفه في كلّ دعوى صحيحة يتعيّن فيها الجواب على المنكر، ويطالب به، بحيث لو أقرّ أو أتى بما يقوم مقام الإقرار ـ من النكول، أو الردّ إلى المدّعي وحلفه ـ الزم بالحقّ، سواء كانت الدعوى متعلّقة بفعل المدّعى عليه نفسه، أو بفعل الغير ممّا يوجب الإقرار به إلزامه بالحقّ: بالإجماع، والنصوص، كما في رواية البصري المتقدّمة: « فإن حلف فلا حقّ له، وإن لم يحلف فعليه »، وقوله في آخرها: « ولو كان حيّا لألزم اليمين أو الحقّ أو يردّ اليمين عليه)[10] .

وبروايتي منصور، والمرسل عن علي (عليه السلام) المتقدمين، وقالوا بأن ما يدل على تقديم بيّنة الداخل كما في روايتي غياث بن إبراهيم وجابر المتقدمتين إنما يمكن حملها على بعض المحامل لخصوصية الموضوع أو يمكن طرحها لضعفها أو لمخالفته المشهور وغير ذلك.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo