< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم منكر ضروري الدين:

تحليل الأقوال الأربعة :

كما تحدثنا في الدرس الماضي أن كفر منكر ضروري الدين ثابت ولا ريب فيه، وإنما الخلاف في كيفية الحكم بكفره.

و لأجل هذا الخلاف قد عثرنا على الأقوال الأربعة كما يلي.

القول الأول: الحكم بكفر منكر الضروري مطلقا على سبيل السببية.

القول الثاني: الحكم بكفر منكر الضروري على سبيل السببية المقيدة.

القول الثالث: الحكم بكفر منكر الضروري على سبيل الأمارية.

القول الرابع: التفصيل بين القاصر والمقصر في الأحكام العملية دون العقائد.

و يظهر للمتأمل في هذه الأقوال الأربعة بأنه يمكن أن نجمع الأقوال الأربعة في مبنيين فقط؛ لأن القول الأول يمكن إرجاعه إلى القول الثاني، بما أنهما يصيران في مبنى واحد وهو مبني السببية .

و القول الرابع كذلك يمكن إرجاعه إلى القول الثالث حسب المبنى وهو مبنى أمارية الإنكار أو الثاني وهو مبنى سببية الإنكار؛ لأن التفصيل بين القاصر والمقصر كان في أحدهما أي السببية والأمارية.

فإذا جمعنا بين الأقوال الأربعة ولخصناها على المبنيين السببية والأمارية فإننا في الحقيقة أمام قولين لا أربعة أقوال. و بالتالي في مقام ذكر الأدلة لا بد من ذكر الدليل على القولين : السببية والأمارية أولاً ثم الخلاف في نفس الدليل.

 

الأدلة على القول بالسببية:

الدليل الأول: لغوية العنوان في فرض عدم القول بالسببية.

لو حكمنا بكفر منكر الضروري فلا بد من الحكم على نحو السببية لأنه لو لم يكن على نحو السببيّة للزم إلغاء خصوصيّة العنوان (الضروري) إذ لا فرق حينئذ بينه وبين كلّ ما كان من الدين وإن لم يكن ضروريّاً؛ فإنّ إنكاره مع العلم يوجب الكفر أيضاً لاستلزامه إنكار الرسالة، بل يجري ذلك حتّى في الموضوعات الخارجية وعليه فلا خصوصيّة للضروري بناء على الأمارية والطريقيّة .

وفـيــه :

أولاً:كما قلنا في أول البحث أنّ عنوان الضروري لم يرد في شيء من الأدلّة لا في الكتاب ولا في السنة وإنّما ورد في كلمات الفقهاء المتأخّرين، فلذلك من المحتمل أنّ خصوصية العنوان باعتبار ملازمته للعلم بأنّه من الدين ولو بحكم العادة والغلبة فإنّ أساسيّات الدين تكون معلومة الثبوت عادةً بحيث يكون افتراض الجهل وعدم الإطلاع فيها نادراً جدّاً إلا في حديث العهد بالإسلام أو البعيد عن البلاد الإسلامية واستثناء مثل هذا المورد معلوم عند الفقهاء لأنهم لم يحكموا بكفر المنكر في مثله . فالعنوان اصطيادي ولا خوف من لغويته أصلاً لأنه لغوية العنوان لا تخرب المحتوى.

الدليل الثاني:

الإجماع على السببية.

الإجماع الذي يستظهر من عبارات بعض الفقهاء أن إنكار الضروري بذاته وعنوانه سبب مستقل للكفر، كما يستظهر من عبارة صاحب مفتاح الكرامة حيث قال:

وهنا كلام في أن جحود الضروري كفر في نفسه أو يكشف عن إنكاره النبوة مثلاً؟ ظاهرهم الأول، واحتمل الأستاذ الثاني. (المراد بالأستاذ هو الشيخ كاشف الغطاء)[1]

و هناك تصريح في عبارة صاحب الرياض:

وأمّا الحجّة على نجاسة الفرق الثلاث (الخوارج والغلاة والنواصب) ومن أنكر ضروري الدين فهو الإجماع المحكي عن جماعة. (منهم : العلامة في المنتهى، والشهيد الثاني في روض الجنان، والسبزواري في الذخيرة ).

و فيه:

أولاً: إن الإجماع الذي يكشف عن قول المعصوم يحتاج إلى إحرازه أولاً عند المتقدمين من الفقهاء و الحال أن كثيراً من الفقهاء - بل أكثرهم أو جميعهم- لم يتعرضوا لهذا العنوان بل العنوان تعرض له المتأخرون، فكيف يمكن القول بالإجماع؟ و كما قلنا فإن أول من ذكرها هو المحقق الحلي في الشرائع.

إن قلت: نعم، لم يتعرض المتقدمون للعنوان، ولكنهم تعرضوا لكفر الفرق الثلاث، وبعض الفرق الأخرى كالمجسمة وغيرها، ومن الواضح أن القول بكفر هؤلاء كان لأجل إنكارهم ضروريات الدين، فبالنتيجة المتقدمون هم الذين تعرضوا لهذا العنوان .

وأفتى بعض الفقهاء بذلك كما قاله شيخ الطائفة في الخلاف:

من ترك الصلاة معتقداً أنها غير واجبة، كان كافراً، يجب قتله بلا خلاف. وإن تركها كسلاً و توانياً ومع ذلك يعتقد تحريم تركها، فإنه يكون فاسقاً يؤدب على ذلك،[2]

هذه الفتاوى تدل على أن المتقدمين يلتزمون بكفر منكر ضروري الدين وكانوا يعتقدون بأن إنكار الضروري هو السبب المستقل للكفر.

فنقول: نعم إن التزام القدماء بكفر منكر هذه الموارد ثابت، ولكن القول بكفر منكر الضروري مثل هذه الموارد كما ينسجم مع القول بالسببية الإنكار للكفر ينسجم مع أمارية الإنكار على إنكار الرسالة وتكذيب النبي. فلعل المتقدمين التزموا المبنى الثاني فكيف تقول بالمبنى الأول؟

و ثانياً: لو سلمنا وجود الاجماع عند الفقهاء والمتأخرين فكيف نستطيع أن ننفي و ندفع احتمال مدركية الإجماع؟ ولعل هؤلاء المتقدمين المجمعين على فرض صحة القول بالإجماع استندوا إلى الروايات التي استدل بها على سببية إنكار الضروري بذاته واستقلاله للكفر. وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، ومادام هذا الاحتمال موجوداً لا يصح الاستدلال بالإجماع؛ لأن الإجماع الذي يحتمل مدركيته ليس بحجةٍ أصلاً.

و ثالثا: على فرض القول بعدم مدركية الإجماع كذلك لا يصح الاستدلال به؛ لأن الإجماع دليلٌ لبّيٌّ وليس دليلاً لفظياً، ولو شككنا في الدليل اللبي في مقدار دلالته فلا بد أن نأخذ بالقدر المتيقن، ومن الواضح إذا شككنا في دلالة الإجماع على السببية أو الأمارية في خصوص إنكار الضروري لا بد وأن نأخذ بالقدر المتيقن؛ وهو فرض أن يؤدي الإنكار إلى إنكار الرسالة وهو الأمارية.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo