< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل الخمس من ضروي الدين أم من ضروري المذهب؟ وهل يوجب إنكاره الكفر؟

من المباحث التي قد قدمناها في الجلسات الماضية، وفي مقدمة البحث في موضوع الخمس توضيحاً لمقدمة الإمام الخميني في كتاب الخمس الإجابة عن كون (وجوب الخمس من ضروري الدين).

و بما أن هذا العنوان - أي انكار ضروري الدين وحكم منكره - من المسائل السيالة في أغلب الأبواب الفقهية، ويترتب عليها كثير من الآثار والنتائج، لذا بدأنا بطرح بحث مستقل في موضوع ضروري الدين والمذهب و حكم منكرهما، فقمنا في عدة جلسات ببيان ملاك ومعيار تحديد الضروري، واخترنا مبنى الأمارية ورفضنا المبني السببية، وانتهينا إلى الموقف الأساس في البحث؛ وهو إن إنكار الضروري إذا أدى إلى إنكار الرسالة وتكذيب النبي فهو موجبٌ للكفر، وإذا لم يؤد فلا.

فبناء على ذلك وبناء ثبوت أصل الخمس في شريعة الاسلام يمكن تطبيق عنوان ضروري الدين عليه، كما صرح به صاحب الجواهر حيث قال: >فالخمس في الجملة مما لا ينبغي الشك في وجوبه بعد تطابق الكتاب والسنة والاجماع عليه، بل به يخرج الشاك عن المسلمين ويدخل في الكافرين، كالشك في غيره من ضروريات الدين [1]

وقال الشيخ الفاضل اللنكراني في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة: >إنّ وجوب أصل الخمس إنما هو كالصلاة ونحوها في أنه من ضروريات الدين ومن المسلمات الإسلامية، ولم يختلف فيه أحد من فقهاء الفريقين[2] فالمسألة تعدُّ من الواضحات التي لم يقع فيها خلاف. والسر في ذلك أن إنكار أصل الخمس يؤدي إلى تكذيب النبي فيوجب الكفر بلا شك.

و أما بالنسبة للفروع فلا يمكن تطبيق العنوان عليها، لأن الفروع لم تكن معروفة في محيط الشرع والإسلام، بل كانت معروفة في محيط المذهب، أي أن أغلب أهل المذهب يعرفون الخمس وفروعه، فيمكن اندراجه في ضروري المذهب فقط لا ضروري الدين.

قال السيد الخوئي: >لا اشكال كما لا خلاف في وجوب الخمس في الشريعة الاسلامية وقد نطق به الكتاب العزيز والسنة المتواترة، بل قامت عليه الضرورة القطعية على حد يندرج منكره في سلك الكافرين، وقد اصفقت عليه علماء المسلمين قاطبة من الخاصة والعامة، وإن وقع الخلاف في بعض الخصوصيات من حيث المورد والمصرف [3]

فيظهر بذلك أننا لو قلنا بضرورية فروع الخمس في المذهب لكان إنكاره يوجب الخروج عن المذهب لا عن الإسلام.

فمنكر فروع الخمس - مثل وجوبه في مطلق الغنائم والفوائد كما يقوله الامامية - يخرج من الإيمان ولا يخرج من الإسلام، فمنكره مسلم وليس مؤمناً.

و لا يخفى عليكم أن هذا مختص بمن يعيش في محيط الشرع والمذهب، وأما من يعيش في محيط الكفر أو في محيط بعيد عن دار الاسلام، أو من كان جديد العهد بالإسلام أو في أوائل بلوغه وما شابه ذلك، فلا يحكم بكفره أو بخروجه عن دائرة المذهب.

مضافاً إلى ذلك: أنّ الحكم بالخروج عن المذهب كذلك مختص بالفروع التي تكون معروفة بين أهل المذهب، وأما الفروع التي ليست معروفة في الشرع وبين أهل المذهب فإنكارها لا يوجب الخروج حتى عن المذهب، لأنه في هذا الفرض لا يكون ضرورياً اصلاً؛ إذ الوضوح في محيط الشرع والمذهب هو الشرط الأساس في صدق عنوان الضروري.

نقطة مهمة:

في المباحث المتعلقة بحكم منكر الضروري تحدثنا عن علم المنكر والالتفات إلى وجود الملازمة بين الإنكار وبين الخروج عن الدين كما يقوله أكثر الفقهاء، ولكن البعض كالسيد موسى الشبيري الزنجاني - وهو أحد المراجع العظام في قم المقدسة - يقول بعدم الملازمة بين العلم بالحكم وبين الحكم بالكفر، واعترض على كلام السيد اليزدي في العروة وقال إنّ ما قاله السيد غير صحيح عندنا؛ لأنه لا ملازمة بين العلم و تكذيب النبي؛ إذ يمكن أن يعلم إنسان بأن هذا هو الذي قاله رسول الله ومع ذلك ينكر ويقول لم يقله رسول الله! فهذا عبارة عن نسبة الكذب إلى النبي وهو يوجب الفسق، وليس تكذيباً له كي يوجب الكفر!

فيقول السيد الشبيري أنّ الإنسان العالم إذا اعترف بكون هذا الحكم هو حكم الله الذي قاله رسول الله ولكنه حكمَ بعدم صحة الحكم- أي قال أنّ هذا الحكمَ حكمٌ غير صحيح - فهذا هو الذي يوجب تكذيب النبيصلی‌الله علیه و آله،

وأما اذا علمَ أن هذا قاله رسول الله، ولكنه أنكر عن لجاجةٍ وقال لم يقلهُ رسول الله فلا يوجب الكفر. فبالنتيجة: إن الإنكار مع العلم بإطلاقه لا يوجب الكفر.

هذا ما ذكره السيد الشبيري الزنجاني في درسه الفقهي الذي إخراج نصه موجود في مدرسة الفقاهة، فراجع. والمستفاد من كلامه أنه قال بالفرق بين الإنكار مع العلم وبين تكذيب النبي، وعرّف التكذيب بالحكم بعدم صحة ما ذكره رسول الله من الدين.

وفيه:

أن تعريف تكذيب النبي بما قاله السيد أمر جديد و لا يمكن القول به، لأن المعنى الذي يعرفه العرف ويطبقه على تكذيب النبي صلی‌الله علیه و آله هو تكذيب قوله وفعله وتقريره.

ولاشك في أنه إذا قال بأن: "رسول الله لم يقل ذلك" مع علمه بأن رسول الله قاله، فهذا في الحقيقة تكذيب للنبي في قوله، وليس مصداقاً لنسبة الكذب إلى النبي، بل الكذب على النبي هو نسبة قول إليه مع العلم أنه لم يقله.

و أما ما قاله السيد الشبيري من وجود الملازمة و عدم الملازمة فنقول: إنّ العرف يعترف بالملازمة؛ لأنه لا يمكن أن نتصور عِلمَ شخصٍ مثلاً بأن هذا حكم الله وجاء به رسول الله، ومع ذلك ينكره ولا يوجب إنكارهُ تكذيب النبي! بل إنّ هذا المورد من أبرز مصاديق التكذيب.

فالخمس - كما قلنا – أصله من ضروري الدين وإنكارهُ يوجب الكفر؛ لأنّ المنكر في فرض العلم مكذب للنبي ورسالته. وأما فروع الخمس بما أنها لم يثبت كونها من ضروري الدين والشرع، فهي إما ليست ضرورياً ولا يوجب إنكارها الكفر، وإما أنّ إنكارها لا يؤدي إلى تكذيب النبي فلا يوجب الكفر.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo