< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/07/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: نماذج عديدة من الموضوعات العرفية المحضة في شتى أبواب الفقه:

قسمنا موضوعات الأحكام الشرعية إلى ثلاثة أقسام:

    1. الموضوعات الشرعية.

    2. الموضوعات العرفية غير المحضة التي تصرف فيها الشارع نوعَ تصرف.

    3. الموضوعات العرفية المحضة.

وذكرنا نماذج عديدة للقسمين الأول والثاني، أما القسم الثالث فقد ذكر الفقهاء في العديد من الكتب الفقهية موارد عديدة من الموضوعات المرتبطة به، وبما أن كتاب جواهر الكلام جامعٌ وشاملٌ لجميع أبواب الفقه، أنقل لكم الموارد من هذا الكتاب.

    1. يقول صاحب الجواهر في كتاب الطهارة: والمرجع في تحقق الغسلة الثانية العرف([1] ).

    2. ويقول في الكتاب نفسه في تعيين مقدار الدلو: ينبغي أن يكون المرجع في الدلو إلى العرف العام فإنه الحكم فيما لم يثبت فيه وضع من الشارع، ولا عِبرةَ بما جرت العادة باستعماله في ذلك البئر إذا كان مخالفاً له ([2] ).

    3. وفي تعيين الملاك في تشخيص الماء المطلق والمضاف يقول: أمر الإطلاق والإضافة يرجع إلى العرف([3] ).

    4. وفي تعيين مصداق القروح و الجروح قال: يرجع في مسمى القروح والجروح إلى العرف([4] ).

    5. وفي أركان الصلاة وتعيين مصداق القيام قال: والمرجع في القيام إلى العرف([5] ).

    6. وقال في باب تشخيص السكر والإغماء: والمرجع في معنى السكر وفي الفرق بينه وبين الإغماء ونحوِهِ العرفُ ([6] )

    7. وقال في ضابطة الجهر والإخفات: إن المرجع فيهما إلى العرف كما هو الضابط في كل ما لم يرد به تحديد شرعي([7] ).

    8. في تعيين مصاديق المدعي و المنكر يقول: فالمرجع فيهما العرف على حسب غيرهما من الألفاظ التي لم تثبت لها حقيقة شرعية ولا قرينة على إرادة معنى مجازي خاص([8] ).

    9. وفي كتاب النكاح في باب الرضاع يقول في تعيين مقدار الرضعة: وعلى كل حال فيرجع في تقدير الرضعة إلى العرف الذي هو المرجع في كل لفظ لم يعين له الشارع حداً مضبوطاً([9] ).

10 وفي تعيين مصداق المكره قال: والمرجع فيه كغيره من الألفاظ التي هي عنوان لحكم شرعي إلى العرف واللغة؛ إذ ليس له وضع شرعيٌّ ولا مراد([10] ).

فهذه الموارد التي ذكرناها هي نماذج مختصرة من الموارد العديدة في الفقه.

لفت نظر الى الفرق بين "تعيين المفاهيم" و"الانطباق على المصاديق":

من المباحث المهمة في مرجعية العرف هو الالتفات إلى الفرق بين تعيين المفاهيم العرفية وبين تطبيق المفاهيم على المصاديق، لأنّ الفقهاء والأصوليين ينقسمون إلى قسمين في هذا الأمر

فيعتقد الفريق الأول منهم بمرجعية العرف في تعيين المفاهيم وعدم مرجعيته في تطبيق المفاهيم على المصاديق؛ فكما أنه لا دور للعرف في الموضوعات الشرعية فكذلك لا دور له في تطبيق المفاهيم على المصاديق، لأنهم يعتقدون بأن المفاهيم بعد تعينها من جانب العرف تطبّق على المصاديق بحكم العقل، ولا دخل للعرف في ذلك، وهذا البعض من أمثال المحقق الخراساني والمحقق النائيني والسيد الخوئي (ره) ومن تبعهم، فيرى هؤلاء أن للعرف أن يبين مثلاً معنى الماء وحقيقته من أنه مائع وسيال...إلخ، أما تطبيق المفهوم العرفي للماء على المائع الخارجي فهو ليس من وظيفة العرف، بل العقل يطبق على المصاديق، وبعبارة أخرى: إن التطبيق بعد إحراز الشرئط يحقَّقُ بحكم العقل قهراً، ولا يحتاج إلى دور العرف.

واليكم نص عبارة المحقق النائيني بهذا الخصوص:

الأمر الثالث: لا عبرة بالمسامحات العرفية في شيء من الموارد، ولا يرجع إلى العرف في تشخيص المصاديق بعد تشخيص المفهوم، فقد يتسامح العرف في استعمال الألفاظ وإطلاقها على ما لا يكون مصداقاً لمعانيها الواقعية، فإنه كثيراً ما يطلق لفظ « الكرّ » و «الفرسخ » و « الحُقّة » وغير ذلك من ألفاظ المقادير والأوزان على ما ينقص عن المقدار والوزن أو يزيد عنه بقليل.

فالتعويل على العرف إنما يكون في باب المفاهيم، ولا أثر لنظر العرف في باب المصاديق، بل نظرهُ إنما يكون متبعاً في مفهوم « الكر» و« الفرسخ » و« الحقة » ونحو ذلك، وأما تطبيق المفهوم على المصداق فليس بيد العرف، بل هو يدور مدار الواقع، فإن كان الشيء مصداقاً للمفهوم ينطبق عليه قهراً، وإن لم يكن مصداقاً له فلا يمكن أن ينطبق عليه، ولو فرض أن العرف يتسامح أو يخطئ في التطبيق، فلا يجوز التعويل على العرف في تطبيق المفهوم على المصداق مع العلم بخطائه أو مسامحته أو مع الشك فيه، بل لا بد من العلم بكون الشيء مصداقاً للمفهوم في مقام ترتيب الآثار([11] ).

والسوال المهم هنا: لماذا يقول المحقق النائيني والآخوند و غيرهما بعدم مرجعية العرف ومدخليته في تطبيق المفاهيم على المصاديق، وحصر مرجعيته في تعيين المفاهيم؟

يظهر بالتأمل في عبارة المحقق النائيني وغيره أن عندهم لذلك ثلاثة توجيهات:

الأول: عدم الدليل على مدخلية العرف في المصاديق.

الثاني: المسامحة الموجودة في طبيعة العرف؛ إذ يتسامح العرف في التطبيق والمصداق، ولا عبرة بالمسامحات العرفية.

الثالث: إن المصداق هو الواقع في الخارج ولا يحتاج إلى التطبيق، ولا يتحقق فيه التسامح، بل ينطبق بنفسه على المفاهيم بعد تعينها من جانب العرف.

وأما الفريق الثاني من الفقهاء والأصوليين الذين يقولون بمرجعية العرف في تعيين المفاهيم والتطبيق على المصاديق، فمنهم السيد الإمام الخميني، والشيخ الحائري المؤسس، وتلامذته، وسنتحدث حول كلامهم واختيارهم في الدرس القادم إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo