< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة تطبيق بناء أهل العرف في الفقه والأصول، وذكر نماذج من المسائل الفقهية والأصولية:

قدّمنا ذكر بعض النماذج في تطبيق بناء أهل العرف للاستدلال على بعض المسائل الفقهية والأصولية، وهنا أيضاً نشير إلى البعض الآخر من الموضوعات التي أناط الشارع أمر تشخيصها سعة وضيقاً بيد العرف، ولم يتدخل في تحديدها كالموضوعات الخارجيّة العرفية.

مثال: إحياء الأرض الموات الذي جعله الشارع موضوعاً لجواز تملّك الأرض:

قال المحقق السبزواري: الإحياء ورد في الشرع مطلقاً من غير تفسير ، فلا بدّ فيه من الرجوع إلى العرف، فالتعويل على ما يسمّى في العرف إحياءً ([1] ).

أو كمفهوم المؤونة المستثناة من الخمس، ومفهوم العيال الواقع موضوعاً لأحكام عديدة، فإنها مما يرجع في تحديدها إلى العرف،

فيقول صاحب الجواهر في بيان المقصود من عنوان المؤونة الذى ورد في الروايات والأخبار:

فليست الأخبار حينئذٍ خاليةً عن الإشارة إلى المراد بالمؤونة، بل ولا عن تحديدها بالسنة، نعم هي خاليةٌ عن تفصيل المؤونة وبيانها كخلوها عن بيان العيال واجبي النفقة أو الأعم منهم ومندوبيها، وهو في محله في كل منهما سيما الأول، لعدم إمكان الإحاطة ببيان ذلك جميعه، خصوصا مع ملاحظة الأشخاص والأزمنة والأمكنة وغيرها. فالأولى إيكالُهُ إلى العرف كإيكال المراد بالعيال إليه، إذ ما من أحد إلا وعنده عيال وله مؤونة، ولعلّهُ لا فرق فيه على الظاهر بين واجبي النفقة وغيرهم مع صدق اسم العيلولة عليه عرفاً، كما صرّح به في المسالك والمدارك والرياض، وإن أطلق بعضهم، بل اقتصر في السرائر وعن غيره على الأول، لكن لا صراحة فيه بعدم اندراج غيره معه،... وبالجملة: إيكال المؤونة والعيال إلى العرف أَولى من التعرض لبيانهما وتفصيلهما([2] ).

والنموذج الآخر هو تعيين مقدار الزيادة والنقيصة غير المتسامح فيهما الواقعتان موضوعاً لخيار الغبن، فإنّ تعيين المقدار فيهما قد حُوِّلَ الى العرف، قال صاحب الجواهر:

الزيادة والنقيصة التي لا يتسامح الناس بمثلها عادةً فلا يقدح التفاوت اليسير، والمرجع في ذلك ـ بعد أنْ لم يكن له مقدر في الشرع ـ إلى العرف، وهو مختلف بالنسبة إلى المكان والزمان ونحوهما([3] ).

وكذلك في صدق تحقق عنوان الاستحالة والانقلاب، وهما موضوعان لطهارة الأعيان النجسة، كاستحالة الكلب إلى الملح، وانقلاب الخمر خلاًّ، فإنّ الملاك في صدقهما هو العرف، كما قال الشيخ السبحاني:

وقد ورد لفظ «المؤونة» في قوله عليه السَّلام: «الخمس بعد المؤونة. ومفهوم «العيال» في وجوب الفطرة وغيره، فالمرجع في تفسير هذه المفاهيم هو العرف، كما أنّ المرجع في تفسير الاستحالة والانقلاب هو العرف، فإنّ الاستحالة هي إحدى المطهرات، كاستحالة الكلب ملحاً، أو انقلاب الخمر خلًا، فالتشخيص في تعيين ذينك المفهومين على‌ عاتق العرف.

يقول صاحب مفتاح الكرامة: "المستفاد من قواعدهم حمل الألفاظ الواردة في الأخبار على عرفهم، فما علم حاله في عرفهم جرى الحكم بذلك عليه، وما لم يعلم يرجع فيه إلى العرف العام كما بيّن في الأُصول"([4] ).

يقول الإمام الخميني (رحمه اللّه): "أمّا الرجوع إلى العرف في تشخيص الموضوع والعنوان فصحيحٌ لا محيص عنه إذا كان الموضوع مأخوذاً في دليل لفظي أو معقد الإجماع"([5] ).

وكذلك في بقاء الموضوع في الاستصحاب، حيث يشترط في جريان الاستصحاب اتحاد القضيّة المتيقنة والقضيّة المشكوكة حال الشك، بمعنى بقاء القضيّة المتيقنة سابقاً وكونها عين القضيّة المشكوكة فعلاً حال الشك، وعليه فإنّ بقاء الموضوع وتشخيص سعته وضيقه بيد العرف. وقد صرّح بذلك صاحب الكفاية والشيخ الأعظم الانصاري وغيرهما.

كما قال الآشتياني في كتابه (حاشية على درر الفوائد): هذا تمام الكلام فى المقام الأول، أعني اشتراط جريان الاستصحاب ببقاء الموضوع، بمعنى لزوم اتحاده فى القضية المتيقنة والمشكوكة. وأما الكلام في المقام الثاني، أعني تعيين ما هو المعيار والميزان في إحراز بقائه واتحاده فى القضيتين فنقول: ذهب شيخ مشايخنا المرتضى (قده) إلى أن الميزان فى ذلك أحد أمور ثلاثة على سبيل مانعة الخلو: الأول العقل، الثاني ظاهر الدليل، الثالث العرف([6] ).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo